سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – أساليب الاحتجاج والإقناع (3)

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف)

الحلقة الثالثة

أساليب الاحتجاج والإقناع (3)

 

إعداد:

  د. هشام مرسي       م / وائل عادل 28/7/٢٠٠٧

1- ارتداء الرموز

2- رفع الصور

3- الأصوات الرمزية

4- الصلاة والعبادة

5- إرسال أشياء تحتوي على رسائل رمزية

6-إتلاف الممتلكات

7- الطلاء الاحتجاجي

8- أسماء وشوارع جديدة

9- أقنعة المقاومة

10- الاستصلاح الرمزي للأراضي

1- ارتداء الرموز

تعريف: ارتداء ملابس لها دلالات معينة.

الحد الأدنى للبدء: فرد واحد.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع حتى نهايته. وتأثيره مهم في المراحل الأولى.

الاحتياجات:

توفر الملابس المعبرة عن المعنى.

درجة التأثير: تلفت انتباه الجمهور، وتدفعهم للحوار مع هذا الشخص الذي يلبس هذا الزي خاصة إن كان في عمل أو نادي .. الخ.

أنواعها:

ملابس معبرة عن الحركة: قد ترتدي المعارضة السياسية ملابس معبرة عنها، فحركة أتبور في صربيا عام 2000 كانت ترتدي ملابس سوداء عليها شعار المقاومة “فبضة اليد”،[1] واستُخدمت الكابات التي تحمل ألواناً ورموز ودلالات رمزية من قبل الكثير من حركات المقاومة. مثل ارتداء “قبعة الحرية الحمراء” في فرنسا عام 1972 حتى أصبحت موضة في ذلك العام.[2] وقد يتم تعليق بادجات، أو رابطات عنق بألوان محددة للتعبير عن المقاومة.

ملابس معبرة عن مناسبة أو معنى: كارتداء الزي الأسود كدلالة على العزاء.

تغيير طريقة ارتداء الزي: كارتداء القميص بالعكس.

 

2- رفع الصور

تعريف: رفع صور أبطال المقاومة، أو من يمثل مجموعتهم أو حركتهم للدلالة على الولاء للفكرة.

الحد الأدنى للبدء: فرد واحد.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع حتى نهايته.

الاحتياجات:

صور الشخصيات المراد رفعها.

درجة التأثير: يكون تأثيرها في تأكيد ولاء المقاومة للفكرة، وهو سلوك مقابل لرفع صور قيادة النظام في أماكن كثيرة.

أنواعها:

صور ترفع في المظاهرات: كصور أبطال المقاومة التاريخيين، للدلالة على امتداد جذور فلسفة المقاومة في نفوس النشطاء. وقد تكون هذه الصور للمعتقلين بحيث يتم إحياء قضيتهم في ذاكرة المجتمع. وتوصيل رسالة للنظام أن المقاومة لا تخاف بالرغم من أن أصدقائهم المرفوع صورهم بات مصيرهم السجن. أو قد تكون صور عتاة الإجرام في النظام مع توصيل رسالة رمزية من خلال الصورة، قد تكون دعوتهم للكف عن ذبح الشعب، أو قمع أبنائهم، وتعلق هذه الصور خاصة في أحيائهم.

صور في المحلات والأماكن العامة: ففي 1930 – 1931 في الكفاح الهندي ضد الاحتلال البريطاني علقت صور غاندي ونهرو وآخرون من القيادات في المنازل والمحلات، وعلى المباني، وفي الشوارع.[3]

 

3- الأصوات الرمزية

تعريف: إصدار الأصوات البشرية أو الآلية كدلالة على فكرة ما خلال النزاعات.

الحد الأدنى للبدء: مجموعة من الأفراد.

مرحلة الاستخدام: تستخدم في أغلبها بعد توفر وعي جماهيري كبير وتكون هناك استجابة من الجمهور لنشاطات ونداءات المقاومة.

الاحتياجات

تحديد الزمان والمكان

درجة التأثير: تجذب انتباه الجمهور وتشجعه على المشاركة التلقائية.

أنواعها:

أصوات المساجد: كأن تصدر منها أصوات في وقت النشاط.

أبواق السيارات والحافلات ووسائل المواصلات: للتعبير عن الاحتجاج.

أصوات أخرى: مثل استخدام الصفارات أو طرق أبواب المحلات المعدنية، أو قرع الطبول أو القرع فوق الأواني للدلالة على الاحتجاج كما حدث في تشيلي عندما خرج الناس في الشوارع يقرعون الأواني باستخدام أدوات المطبخ.[4]

الأصوات البشرية: كإصدار صوت جماعي للاعتراض على أمر ما، ويستخدم عند اعتراض الجنود على الأوامر الصادرة إليهم، واعتراض سكان البلاد المحتلة على الممارسات البربرية للمحتل. وقد أصدر الجنود الفرنسيون أصوات خراف كأنهم يساقون إلى الذبح أثناء العصيان العسكري 1917.[5]

 

4- الصلاة والعبادة

تعريف: أداء الصلوات تعبيراُ عن الاحتجاج والتأثير في نفسية الخصوم.

الحد الأدنى للبدء: مجموعات كبيرة من الأفراد.

مرحلة الاستخدام: من البداية وتستمر حتى نهابة الصراع.

الاحتياجات: تحديد الزمان والمكان.

درجة التأثير: تمنح حركة المقاومة البعد الأخلاقي، ويتضح هذا من نوع العبادة وطبيعة الدعوات والنصوص التي تتلى، كما تؤثر في الجماهير والخصوم.

أنواعها:

المناسبات الدينية: مثل عمل الإفطارات الجماعية، أو ممارسة النشاط في الأعياد. مثل براعة الخميني في إيران في استثمار المناسبات الشيعية لتدريب الجماهير على مقولة “لا”. ويعتبر يوم الجمعة في العالم الإسلامي مناسبة أسبوعية يمكن استخدامها لخلق حوار مع الجمهور، والقيام بأعمال رمزية.[6]

وتمارس الطقوس الدينية بشتى أنواعها بعد خروج المعتقلين من السجون، أو عند تحقيق نصر ما لحركة المقاومة.

المصاحبة للقمع: فعندما خرج أربعة آلاف متظاهر إلى مناجم الفحم التي كان الأسيويون يعملون فيها في الناتال، أطلقت الحكومة عليهم كتيبة من شرطة الخيالة لسحقهم وتفريقهم. وبدلاً من أن يهرب المتظاهرون أو يصطدموا بالشرطة سجدوا على الأرض في صلاة صامتة، وتلاقفت الصحافة العالمية صور المشهد وتقارير مراسيها عنه. إن مثل هذا النوع من الفعل، يبين مدى عدالة قضية هؤلاء المقاومين، كما أنه يجري حواراً داخلياً في نفسية هذا الشخص الذي يمارس القمع،[7] بالإضافة إلى القوة النفسية التي تتراكم لدى المقاومين، وإقبال الشعب على دعمهم.

كذلك ركعت نساء أفريقيات وبدأن الصلاة في إيكزوبو 1959 عندما أمرتهن الشرطة بالتفرق في المسيرة.[8]

المرتبطة بموقف المؤسسات الدينية: فعندما ترغب المؤسسات الدينية في التعبير عن رأيها تستثمر الطقوس أو الشعائر التعبدية في توضيح الموقف، ففي عام 1985 أجبرت انتهاكات بينوشيه لحقوق الإنسان في تشيلي الكنيسة الكاثوليكية على الاعتراض على القتل والتعذيب وبدأت تنادي بالوسائل اللاعنفية، فأضاءت الشموع وعلقت صور القتلى وأقامت الصلوات.[9]

المرتبطة ببعض المواقع: كالاحتفال بذكرى سنوية في ميدان ما قُمعت فيه المقاومة، أو قُتل فيه بعض أفرادها، ففي بولندا 1942 حين دمر الألمان كل الآثار والنصب المذكرة بأبطال بولندا وأعيادها الوطنية، قام البولنديون بزيارة هذه الأماكن وأداء الصلوات فيها تحت أعين الألمان الغاضبة.[10]

وقد تكون الصلاة أثناء محاكمة بعض المقاومين كما فعل حدث في جنوب أفريقيا 1952 حين ركع المئات وصلوا أثناء محاكمة بعض المقاومين.[11]

 

5- إرسال أشياء تحتوي رسائل رمزية

تعريف: إرسال أجسام، أو أشياء إلى الموظف أو المكتب المعني بالقضية المعترض عليها، هذه الأشياء ترمز إلى الاعتراض والشكوى بخصوص قضية رسمية وإبداء وجهة نظر المحتجين.

الحد الأدنى للبدء: فرد.

مرحلة الاستخدام: يمكن استخدامها في البدايات وتستمر حتى نهاية الصراع.

الاحتياجات

·  تحديد الجهة أو الشخص المطلوب خلق حوار معه عبر هذه الأشياء.

·  اختيار التوقيت والمناسبة.

·  اختيار الشيء الذي سيكون بليغاً في توصيل الرسالة الرمزية.

درجة التأثير: تؤثر في الجهة المستهدفة خاصة إذا تكثف الأمر.

أنواعها:

رسائل للمؤسسات: مثل تجميع أكوام من الفئران الميتة أمام باب مبنى المحافظة اعتراضاً على الأحوال السيئة في أحد المقاطعات الأمريكية.[12] وفي أكتوبر 1961 وضع النشطاء الزجاجات من اللبن عليها علامة “خطر –تلوث إشعاعي” على باب السفارة السوفيتية في لندن، اعتراضاً على التجارب النووية السوفيتية.[13]

وعندما لم ينجز كيندي وعده في حملته الانتخابية، وأن القرار لم يوقع بعد، فأرسل مؤتمر المساواة العنصرية آلاف من أوعية الحبر إلى البيت الأبيض.[14]

رسائل لأفراد: مثل رسالة موجهة إلى قائد قوات القمع في ذكرى مقتل مجموعة من المقاومين في ميدان التظاهر، تحمل قصاصة من قميص أحد المقتولين مخضب بالدماء. أو صورة لأم القتيل الباكية. ويمكن إرسال هدايا تحمل رسائل رمزية لبعض المسئولين في مناسبات معينة.

رسائل للجمهور: كاستهداف الجمهور بتوصيل علم المقاومة إلى كل بيت.

 

6- إتلاف الممتلكات

تعريف: وسيلة غير معتادة من وسائل اللاعنف، حيث يقوم الشخص بإتلاف بعض الممتلكات المرتبطة بقضية ما، للتعبير عن وطأة الإحساس بالظلم، ولتجنب الإصابات البشرية يتم التأكد من إبعاد المارة من المنطقة.

الحد الأدنى للبدء: فرد واحد.

مرحلة الاستخدام: بداية الصراع وقد يستمر حتى نهايته.

الاحتياجات:

اختيار المكان المناسب لإيصال رسالة النشاط إلى الأطراف المعنية

اختيار الشيء الذي يتم إتلافه بوعي بحيث يترك أثره المنشود.

درجة التأثير: تجذب الانتباه بشكل كبير.

أنواعها:

إتلاف الممتلكات الخاصة: مثل حرق الخطابات المرسلة من الدولة إلى الأفراد اعتراضاً على محتواها كما حدث في أمريكا عام 1770 اعتراضاً على قوانين التصدير والاستيراد من انجلترا.[15]

وفي 1960 دعا المؤتمر الأفريقي الوطني إلى حرق جوازات السفر للتعبير عن رفض قانون جوازات المرور في جنوب أفريقيا.[16]

إتلاف ممتلكات ترمز للقضية: ففي 1774 جمع أطفال المدارس أكياس الشاي من مختلف البيوت، وأحرقوها اعتراضاً على استيراد الشاي الهندي من انجلترا.[17]

وأحرق بعض الهنود الثياب المستوردة كتعبير عن الاكتفاء الذاتي.[18]

إتلاف ممتلكات الخصم: مثل ما تقوم به مجموعات حماية البيئة من إتلاف إطارات الجرارات التي تستخدم في اقتلاع أشجار الغابات. أو ما قامت به إحدى المجموعات في السويد من تعطيل سفينة محملة بمواد ضارة بالبيئة.[19]

 

7- الطلاء الاحتجاجي

تعريف: طمس معالم من المعالم المهمة تعبيراً عن الاحتجاج.

الحد الأدنى للاستخدام: فرد واحد.

مرحلة الاستخدام: يمكن أن تستخدم من بداية الصراع.

الاحتياجات:

تحديد الأماكن المناسبة لإيصال الرسالة من النشاط

توفر أدوات الطلاء المناسبة.

درجة التأثير: تترك دلالة على قوة التحدي، وتخلق حدثاً يردده الرأي العام كدلالة على التمرد والعصيان وكسر حاجز الخوف.

الأنواع:

طلاء المباني: مثل الطلاء لمحو اسم أو صورة أحد المشاهير من على سفينة كان يفترض أن يستقلها، ما أدى إلى إلغاء الاحتفال.[20]

طلاء وتغيير الصور: ففي ألمانيا 1962 أفسد شخص صورة ضخمة ل”فالتر أولبرخت” برسم حبل على عنقه.[21]

 

8- إشارات وأسماء جديدة

تعريف: تغيير الإشارات وأسماء الشوارع بأسماء أخرى ذات أهمية رمزية للإعلان عن الاحتجاج، وإزالة أو تعديل عناوين الشوارع، واللوحات الدالة على المدن والشوارع، ومحطات القطارات، والطرق السريعة،  واللوحات فوق الكباري، واستبدالها بلوحات بها أخطاء، أو تحمل دلالات رمزية.

الحد الأدنى للبدء: فرد وتتطلب مجموعات عمل كبيرة عندما يكون النشاط على نطاق واسع.

مرحلة الاستخدام: في بداية الصراع عندما تستخم بشكل جزئي، إلا أنها أحياناً إذا استخدمت على نطاق واسع تصل إلى حد العصيان كما سنبين في أنواع استخدام الوسيلة.

الاحتياجات

انتقاء جيد للأماكن والرموز والعبارات التي سيتم إضافتها أو طمسها.

توفر الأدوات اللازمة لطلاء أو تثبيت أو إزالة  اللوحات.

درجة التأثير: درجة التأثير عالية في إشعار الجمهور والخصم أن ثمة مقاومة جريئة، وقد يصل حد التأثير إلى إرباك المرور.

الأنواع:

من حيث الشكل

إزالة: كإزالة بعض اللافتات الموضحة للطرق.

إزالة وإحلال: إزالة بعض اللافتات ووضع لافتات غيرها. فقد قام البولونيون أثناء الاحتلال الألماني بتغيير أسماء الشوارع خلال الليل واستبدالها بأسماء تدل على أبطال المقاومة. فاستيقظ الناس وقد تغيرت الجدران والشوارع واللوحات المعلقة على أعمدة النور.[22]

إنشاء: وضع لافتات في أماكن ليس موجود بها لافتات.

من حيث النطاق:

تغيير جزئي: أي يتم تغيير بعض الأسماء دون الآخر كدلالة رمزية على إمكانية الفعل، لتحريض الآخرين على فعل مشابه. أو لتوجيه رسالة رمزية للنظام.

تغيير كامل: عمل حملة كاملة تعم كل المدن كإزالة كل الإشارات والعلامات بالكامل، وهي تستخدم في مراحل الصراع المتقدمة لأنها تخلق حالة من الاضطراب، لذلك تستخدم عند إعلان العصيان واللاتعاون.

 

 9- أقنعة المقاومة

تعريف: ترتدي الجماهير أقنعة لأحد رموز المقاومة التي لها دلالة خاصة كتأكيد وقوف الجماهير إلى جانب قياداتها المقاومة أو قناع لرمز تاريخي للمقاومة للتعبير على امتداد الفكرة.

الحد الأدنى للبدء: عمل جماهيري.

مرحلة الاستخدام: في مراحل متقدمة من الصراع عندما تمتلك المقاومة إمكانية الحشد الجماهيري.

الاحتياجات:

تحديد الشخصية ذات الدلالة الرمزية التي سيصمم القناع على شكلها.

توفير آليات توصيل القناع إلى كل بيت.

درجة التأثير: لها درجة تأثير عالية على الجمهور حيث تشعره بالوحدة والتضامن نتيجة ارتداء الجميع نفس الوجه، كما أن لها تأثير في خلخلة صفوف الخصم عندما يكون الحشد جماهيري ضخم، وتؤثر سلبياً على معنويات النظام عندما يلحظ هذا التنظيم والتحدي والاجتماع على رمز واحد للمقاومة.

الأنواع:

قناع إيجابي: وهو الذي يجسد صورة أحد الرموز المقاومة. ويفضل أن يكون مبتسماً للدلالة الرمزية على الرسالة الحضارية والمشرقة للمقاومة.

قناع سلبي: وهو الذي يمثل صورة أحد قيادات النظام بعد عمل تشويهات لها على الوجه، مثل قطع الأذنين كدلالة على عدم الاستماع للجمهور.

 

10- الاستصلاح الرمزي للأراضي

التعريف: إبداع وابتكار حلول للمشاكل محل النزاع، كزرع النباتات والأشجار، وزراعة أراضي استولت عليها الدولة وأهملتها، أو تشييد مبنى على مثل هذه الأراضي.

الحد الأدنى للبدء: مجموعة عمل.

مرحلة الاستخدام: يمكن استخدامها في أي مرحلة من مراحل الصراع.

الاحتياجات

تحديد الموقع الذي سيتم التعامل معه.

تحديد الشكل الأنسب للتعامل هل هو البناء أو الزرع أو التزيين الخ.

درجة التأثير: تشعر الجمهور بإمكانية الفعل، فيمكن استثمار قطعة أرض أهملتها الدولة وتحولت إلى مكان لرمي القمامة، ويكون هذا الاستثمار بتنظيفها وإقامة مشروع نافع فيها للحي. 

الأنواع:

أراضي مهملة: لا تلتفت إليها الدولة ويمكن استصلاحها في مشروع نافع.

أراضي مسلوبة: استولت الدولة عليها بغير حق.

أراضي تستخدم في عمل ضار: فقد قام المعترضون على البرنامج النووي البريطاني عام 1962 بزراعة النباتات حول أحد المعسكرات التابعة للقوات الملكية، كرغبة في استعادة أرض هذا المعسكر لعمل بَناء ينتفع من هذه الأرض بدلاً من استخدامها المدمر من قبل الجيش.[23]

[1]  فيلم الإطاحة بطاغية في مكتبة موقع أكاديمية التغيير.
[2] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005.
[3]  نفس المصدر السابق.
[4] فيلم سقوط ديكتاتور في مكتبة موقع أكاديمية التغيير.
[5]  Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005
[6]  أحمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف… الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007
[7] إن الجندي الذي يقمع مدرب على أن يتعامل مع خصم عنيف، وبالتالي فعند أول احتكاك يستعد لتنفيذ ما تدرب عليه، لكنه يفاجأ عندما يجد أمامه مجموعة من العجائز يمسكن وروداً أو يتلون آيات، أو ينشدون نشيداً وطنياً، حينها سيفكر كثيراً قبل أن يقمعهن، وحتى إذا قمعهن فماذا سيفعل عندما يعود إلى بيته ويهم بالنوم، إن صورة العجائز لن تفارق مخيلته. وبذلك يبدأ سلاح اللاعنف في العمل، حيث يهدف إلى تقويض قوة الحاكم، ويجعل أدواته لا تعمل، ولا تستجيب له.
[8]  Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005.
[9] فيلم سقوط ديكتاتور في مكتبة أفلام موقع أكاديمية التغيير.
[10] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005
[11] نفس المرجع السابق.
[12]  نفس المصدر السابق.
[13]  نفس المصدر السابق.
[14] نفس المصدر السابق.
[15]  نفس المصدر السابق.
[16] نفس المصدر السابق.
[17]  نفس المصدر السابق.
[18] نفس المصدر السابق.
[19] أحمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حلقات العصيان المدني، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007
[20] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005.
[21]  نفس المصدر السابق.
[22]  نفس المصدر السابق.
[23] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005.

المصدر

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – أساليب الاحتجاج والإقناع (2)

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف)

 الحلقة الثالثة

أساليب الاحتجاج والإقناع – 2


إعداد
د/ هشـــــام مرســــي  م/وائـل عـادل

1- لافتات وملصقات وإعلانات تظاهرية
2- توزيع المنشورات
3- الكتابة في السماء والأرض
4- المطبوعات
5- تسجيلات مرئية ومسموعة
6- الأعمال الفنية
7- عيد السماء
8- إنارة الأنوار الرمزية
9- إطفاء النور
10- رفع الأعلام وعرض الألوان الرمزية

1- لافتات وملصقات وإعلانات تظاهرية

تعريف: هي اللافتات والملصقات التي تحمل -شكلاً ومضموناً- دعوة للمشاركة في تظاهرة أو نشاط ما من أنشطة المقاومة.

الحد الأدنى للبدء: يمكن أن تبدأ بفرد ويمكن أن تقوم بها مجموعات أو مؤسسات أو حركات.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات:

· مهارات في تحويل الأفكار إلى إعلانات ولافتات.

· فهم جيد لطبيعة النشاط المدعو إليه.

درجة التأثير: تعطي إيحاء بجو المقاومة، وتزيد قيمتها كلما سعى النشطاء للصقها في الأماكن التي يرى الناس خطورة هذا الفعل فيها، كأن تكون بجوار أقسام الشرطة، أو في أحياء يسكن فيها الخصوم، وحينها يتجسد سلوك العصيان، ويُرى أناس كسروا حاجز الخوف. كما تكمن قيمتها في لصقها في الأماكن المعنية بالحدث، وفي مرمى عين الشريحة المراد استنفارها.

الأنواع:

ملصقات جديدة: توضع على الحوائط والجدران والسيارات للتعبير عن المقاومة أو موقف أو مطلب لها.

إزالة وإحلال: كإزالة ملصقات الخصم ووضع ملصقات المقاومة بدلاً منها كدلالة على التحدي كما حدث عندما مزقت المقاومة الألمانية البيانات والملصقات التي تبرر احتلال فرنسا، وألصقت بدلاً منها ملصقاتها.[1]

وفي 1968 تجولت قوى الاحتلال التابعة لحلف وراسو شوارع براغ لنزع ملصقات المقاومة، وقامت بلصق بينات المحتل، حتى ذكرت صحيفة سفوبودا: “لا طائل من ذلك، ستظهر في الصباح ملصقات جديدة، براغ أصبحت كملصق واحد ضخم يهتف”أيها المحتلون.. إرحلوا!”.[2]

2- توزيع المنشورات

التعريف: توزيع الأوراق التي تحتوي على بيانات معارضة أو تدعو إلى اتخاذ موقف ما، أو تمد الجمهور بمعلومة ما.

الحد الأدنى للبدء: فردين، حيث يقوم أحدهما بالتوزيع والآخر بتأمين احتياجاته والسعي لإخطار المحامين في حالة توقيفه.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات:

· جرأة على توزيع المنشورات.

· اختيار الزمان والمكان المناسبين لتواجد الجمهور المستهدف.

· متابعة الشخص الذي يوزع وتأمين احتياجاته.

درجة التأثير: لها درجة تأثير كبيرة خاصة عندما تكون الرسالة غير تقليدية، وتخاطب اهتمامات الجمهور، ويقدمها الشخص الذي يوزع بطلاقة وجه.

الأنواع:

منشورات أرضية: توزع في أي مكان عبر دخوله والتوزيع فيه. وقد يتم التوزيع عبر إرسال رسائل البريد.

منشورات إلكترونية: عن طريق إرسالها إلى المستهدفين عبر البريد الإلكتروني.

منشورات جوية: ترمى الأوراق من أعلى برج أو عمارة عالية فتوزع بشكل تلقائي على المارة وتترك أثراً كبيراً يتحدثون عنه. وقد قامت حركة أتبور في عام 2000 في صربيا بتوزيع المنشورات عبر إلقائها من فوق أسطح المباني.[3]

3- الكتابة في السماء والأرض

تعريف: كتابة بعض الكلمات أو الرموز المعبرة عن المقاومة أو القضية التي تتبناها المقاومة في مساحة واسعة في السماء عبر طائرة أو على الأرض.

الحد الأدنى للبدء: فرد واحد.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات:

أدوات الكتابة في الجو أو الأرض

درجة التأثير: لها درجة تأثير كبير في لفت الانتباه لقضية ما وتحدث الرأي العام عنها. فهي أداة إعلامية غير معتادة.

الأنواع:

الكتابة في السماء: وهي طريقة إعلامية غير اعتيادية، استخدمت في 1969 لرسم شعار كبير لنزع السلاح النووي في السماء فوق حشد كبير -في حديقة عامة في بوسطن- يناهض الحرب في فيتنام.[4]

ويمكن استخدام البالونات المعبأة بالغازات الخفيفة مثل الهيليوم لترتفع في السماء حاملة معها شعار أو علم المقاومة.

الكتابة على الأرض: بحروف كبيرة عبر تنسيق الحشيش ليرسم الكلمة، أو تشكيل الأشجار، أو عبر ترتيب قطع من الصخور لتشكل الكلمة أو الرمز، سواء كان ذلك على الأرض أو فوق التلال والجبال.

وقد تكون هذه الوسيلة فعالة عندما يكتب على الأرض بجوار مطار، أو في نطاق رؤية المسافر عبر الطيران حين تحلق به الطائرة، حيث يراها القادمون والمسافرون عندما تقترب الطائرة من الأرض. ففي كاليفورنيا لجأ أحد المزارعين – الذي أزعجه دوي الطائرات لقرب مزرعته من المطار – إلى حراثة المزرعة ونقش عليها كلمة “سكوت”.[5]

4- المطبوعات

تعريف: المواد المطبوعة التي تستخدم للتأثير في الجمهور وتوعيته وتوضيح وجهة نظر المقاومة.

الحد الأدنى للبدء: عادة ما تحتاج مجموعة عمل أو مؤسسات أو حركات.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات

· قدرات فكرية عالية.

· صياغة لغوية راقية.

· معرفة الشرائح المستهدفة ونوعية الخطاب المناسب لكل شريحة.

الأنواع:

نشرات وكتب وكتيبات: وتعد من الوسائل المهمة للتعبير عن وجهة نظر المجموعات المقاومة.

صحف ومجلات: وتشمل كل أنواع الصحف المحلية وغير المحلية، القانونية وغير القانونية، الورقية أو الإلكترونية.

وقد تحتوي هذه المطبوعات على:

· معلومات يجب نشرها للمستهدفين بالنشاط.

· أو تعبر عن موقف إزاي قضية ما بهدف توجيه سلوك الجماهير، ويمكن استخدام الكتب للإسهاب في شرح موقف ما في حالة حدوث تحولات كبيرة تتطلب إيضاحاً.

· أو تعزز ثقافة المقاومة، وتستعرض على سبيل المثال تجربة تاريخية لحركة اللاعنف، أو تشرح معنى فلسفي من مكونات فكرة حركة اللاعنف، مثل إمكانية الفعل، أو عدم الاصطدام بالشرطة، لأنهم ضحية النظام، ومطلوب استمالتهم لصفوف المقاومة. وقد تستخدم في هذا الصدد الروايات.

· كذلك قد توجه هذه النشرات والكتيبات إلى القطاعات التي لا زالت تدعم النظام، لتوجيه رسائل إيجابية توضح عدالة القضية، واعتبار المقاومة أن هذه القطاعات جزء منها، فتؤسس لخلق حوار مع هذه القطاعات. هذا الحوار الذي لا ينبغي أن يتوقف أبداً.[6] ويقوم النشطاء بتوصيل هذه المطبوعات إلى أقسام الشرطة والمؤسسات الحكومية لتوجيه هذه الرسائل إلى القطاعات المختلفة.

ويراعى أن يناسب مضمون كل نشرة الجهة التي ستقدم لها، وأن تؤسس لكسب الطرف الثالث.

5- تسجيلات مرئية ومسموعة

تعريف: المواد المسموعة والمرئية التي تبثها المقاومة بمختلف وسائط النشر من فيديو إلى سي دي إلى مواقع إنترنت.

الحد الأدنى للبدء: يمكن أن تبدأ بفرد.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات:

· مهارات في تحويل الأفكار إلى مادة مرئية أو مسموعة.

· فهم خصائص كل أداة إعلامية (الراديو – التلفزيون – الإنترنت).

درجة التأثير: إن استخدام الصورة الثابتة والمتحركة، والتسجيلات الصوتية والمرئية لها أبلغ الأثر في مسار المقاومة، حتى أن إحدى التحولات التغييرية اشتهرت باسم “ثورة الكاسيت” حين كان الخميني يطلق مدافع الكاسيت من خارج إيران، فكان للتسجيلات دور كبير في نشر التصريحات والخطب، كما كان لتأثير الحملات الدعائية المرئية في تشيلي دور كبير في الإطاحة ب”بنوتشيه” عام 1986.[7]

الأنواع:

الخطب: التي تعزز قيم المقاومة وفلسفتها أو التي تدعو إلى نشاط بعينه.

الأغاني: التي تجمل أهم أفكار المقاومة لتعبر عنها في صورة موسيقية غنائية وهذا يكسبها انتشاراً سريعاً وواسعاً.

البرامج التلفزيونية والإذاعية: إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية الشيقة بالإضافة إلى توصيل الرسالة عبر المداخلات، خاصة في البرامج التي يشاهدها جمهور كبير. كما يمكن عمل إذاعة أو قناة خاصة سواء في الخارج أو الداخل.

6- الأعمال الفنية

تعريف: هي الأنشطة التي يستخدم فيها الفن لتوصيل رسالة المقاومة.

الحد الأدنى للبدء: مجموعة عمل فنية.

مرحلة الاستخدام: تكون ملازمة للمرحل المختلفة في الصراع.

الاحتياجات: تتحدد بحسب نوع الفن

درجة التأثير: لها تأثير كبير في نفسية الجماهير، حيث أن التمثيل والغناء أبلغ من الخطابة المباشرة في حس الجمهور.

الأنواع:

إلقاء الشعر: الذي يوصل رسالة احتجاجية، أو يبين أحد المعاني المتعلقة بفلسلفة المقاومة، أو شعر يبعث الأمل لدى الجمهور ويزيد حماسه.

الغناء لتوصيل معنى: إنتاج أغاني تعبر عن أهداف المقاومة وفلسفة الكفاح، وتبشر بإمكانية الفعل. ففي برمنجهام تجمع أكثر من 3 آلاف طفل من الزنوج في المركز التجاري وأخذوا ينشدون داخل وخارج المحلات “لن أسمح لأحد أن يغيرني” “أنا في طريقي إلى أرض الحرية”.[8]

الغناء الاحتجاجي: كإنشاد أغنية وطنية أو أغنية معروفة للمقاومة أثناء خطاب غير مرغوب فيه. أو كالغناء الذي يصاحب الأنشطة كالمسيرات. فعندما ألقي القبض على مجموعة من قادة المقاومة في جنوب أفريقيا 1956 تجمع حشد كبير أمام قاعة دريل هول في جوهانسبرج في اليوم الأول من الاستجواب، وأنشدت الحشود النشيد الوطني الأفريقي.[9]

الأداء المسرحي والموسيقى: كعمل تمثيلة أو اسكتشات ساخرة أو عرض أوبرا، وقد كانت المقاومة الصربية تقيم الحفلات التي تحشد خلالها الجمهور كتلك الحفل التي أقامتها عام 2000 في رأس السنة، وعزفوا موسيقى الروك التي لم تكن محببة لدى النظام، كما عرضوا بعد منتصف اليل فيلماً عن مآسي الصرب. [10]

كذلك استخدمت المقاومة الاسكتشات التمثيلية الساخرة كنوع من أنواع الاحتجاج، خاصة عندما اتهمت الحكومة المقاومة بالإرهاب، حينها قدمت المقاومة اسكتشاً ساخراً في الشارع.[11]

7- عيد السماء

تعريف: إطلاق الصواريخ والألعاب النارية في السماء للتعبير عن التفاؤل والأمل. وقد تمزج بالألعاب والكشافات الضوئية التي تستخدم في المهرجانات لتنير السماء.

الحد الأدنى للبدء: فرد في حالة أنها في مكان محدد، وقد تتطلب مجموعات بحسب طريقة الاستعمال، وتنوع أماكن الفعل كما سيأتي لاحقاً.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات:

توفر الألعاب النارية

مهارات عمل تشكيلات بها.

درجة التأثير: لها دور فعال في لفت انتباه الجمهور، وإبراز الوجه المبتسم – غير العابس- للمقاومة، والتعبير عن الرسالة المستقبلية المتفائلة عبر الألوان، وامتزاج الرسالة بالقوة اللاعنيفة بصوت فرقعة الصواريخ. كما تدل على مدى انتشار المقاومة إذا استخدمت في أكثر من مكان وأكثر من مدينة في نفس التوقيت. ويمكن استخدامها كرسالة احتجاج قوية.

الأنواع:

صواريخ رسم الشعارات: حيث يمكن أن تعبر عن الألوان المستخدمة في شعارات المقاومة كاللون البرتقالي كشعار للثورة البرتقالية في أوكرانيا. وقد تكون هذه الصواريخ ضمن أنشطة المظاهرات أو أحد فعاليات المقاومة. وقد تستخدم بمفردها.

صواريخ إثبات الوجود: وتستخدم بعد حالات القمع ومحاولات النظام لتقويض المقاومة، ويفضل أن يكون هذا النوع متزامن في أكثر من مكان ومدينة، وربما ظهر كتأييد عالمي إن كان للمقاومة امتداد تضامني خارجي.

صواريخ الاحتفالات: كذكرى نشأة المقاومة، أو التذكير بيوم اعتقال مجموعة كبيرة من المقاومين حتى لا ينسى المجتمع أبطاله، أو احتفالاً بانتصار للمقاومة، إلى مختلف المناسبات التي تود المقاومة إحياؤها. وقد استخدم البولنديون الصواريخ في احتفالاتهم بانتزاع العمال حقوقهم عام 1989.[12]

ويجب أن تعمل حركة المقاومة على خدمة هذا النوع من النشاط إعلامياً، وتوضيح الرسالة منه، وقد تدعو له مسبقاً ليترقب الجمهور أعياد السماء.

8- إنارة الأنوار الرمزية

تعريف: إنارة الأنوار للتعبير عن موقف ما.

الحد الأدنى للبدء: مجموعات كبيرة يكاد يكون عمل جماهيري عريض.

مرحلة الاستخدام: لا تستخدم إلا بعد أن يكون هناك وعي جماهيري كبير وتكون هناك استجابة من الجمهور لنشاطات ونداءات المقاومة.

الاحتياجات:

بحسب النور الذي سيتم إضاءته.

تحديد الزمان والمكان.

درجة التأثير: تعكس الجانب الحضاري للمقاومة. كما تبين مدى التزام المجتمع بقرارات المقاومة في حالة إنارة البيوت مثلاً كما سيأتي.

أنواعها:

في المظاهرات واستعراضات المقاومة: مثل حمل المشاعل، والكشافات، والفوانيس، والشموع.

إنارة المباني والبيوت: وتزيينها مثل الأفراح، وقد زينت البيوت بالأضواء في ذكرى مقاومة السود في جنوب أفريقيا 1952، لترمز إلى نور الحرية وشرارة الحرب التي اندلعت في القلوب، ودلالة على إبقاء جذوتها مستعرة في النفوس.[13]

ويمكن لهذه الوسيلة أن تجرب أولاً في نطاق ضيق لاختبار مدى تفاعل الجمهور معها.

9- إطفاء النور

تعريف: إطفاء أنوار البيوت والمؤسسات في منطقة أو مدينة ما.

الحد الأدنى للبدء: عمل جماهيري عريض.

مرحلة الاستخدام: لا تستخدم إلا بعد أن يكون هناك وعي جماهيري كبير وتكون هناك استجابة من الجمهور لنشاطات ونداءات المقاومة.

الاحتياجات

تحديد الزمان والمكان.

درجة التأثير: عالية جداً وعادة بعد نجاحها يكون ذلك مؤشراً جيداً لإمكانية دخول المقاومة في استخدام أسلحة اللاتعاون التي سيتم ذكرها في الباب التالي.

أنواعها:

إطفاء الأنوار في وقت واحد: كإطفاء أنوار البيوت في وقت واحد للدلالة على الرفض.

إطفاء الأنوار المتتابع: حيث تطفأ البلد تدريجياً من منطقة لأخرى للدلالة على حسن التخطيط واستجابة كل المجتمع في كل مدينة.

ويفضل ألا تطول المدة حتى يمكن للجميع أن يطبق ويلتزم بهذا الأمر بشكل عملي، فلتكن مثلاً من 10 – 15 دقيقة فقط.

ويمكن لهذه الوسيلة أن تجرب أولاً في نطاق ضيق لاختبار مدى تفاعل الجمهور معها.

10- رفع الأعلام وعرض الألوان الرمزية

تعريف: ترفع حركات المقاومة الأعلام الخاصة بها.

الحد الأدنى للبدء: مجموعة بحيث تلفت الانتباه.

مرحلة الاستخدام: من بداية الصراع حتى نهايته.

الاحتياجات:

أعلام المقاومة

درجة التأثير: تحرك المشاعر والعواطف بشكل كبير.

أنواعها:

أعلام متحركة: كأن تسير مجموعة من المقاومة أو أكثر من مجموعة بالأعلام في أماكن مستهدفة. أو تعلق الأعلام على السيارات.

أعلام ثابتة: قد تعلق الأعلام فوق المنازل وفي المحلات وأماكن عامة، كشكل احتجاجي على حدث أو موقف بعينه، أو عند زيارة شخصية غير مرغوب فيها للدولة أو لقطاع أو حي أو مؤسسة بعينها. كذلك ترفع الأعلام والألوان الرمزية الداعمة لسلوك بعض رموز المقاومة، وكتعبير عن التضامن معهم.

وقد استخدمت الأعلام السوداء كعلامة على الاحتجاج والرفض في مناسبات عدة، وسار بها المحتجون في الشوارع. “وفي باريس 1969 عُلقت الأعلام في كل طابق في مبنى مكون من 240 طابقاً في كاتدرائية نوتردام، الأمر الذي تطلب من مروحية تابعة لمطافيء البلدية أن تزيلها.”[14]

[1] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

[2] نفس المصدر السابق.

[3] فيلم الإطاحة بطاغية، مكتبة الأفلام في موقع أكاديمية التغيير.

[4] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

[5] نفس المصدر السابق.

[6] عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حلقات العصيان المدني، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007

[7] عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف… الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007

[8] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

[9] نفس المرجع السابق

[10] فيلم الإطاحة بطاغية، في مكتبة أفلام موقع أكاديمية التغيير.

[11] نفس المرجع السابق

[12] فيلم الإضراب الشامل، في مكتبة أكاديمية التغيير على الموقع الإلكتروني.

[13] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

[14] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

المراجع

Gene Sharp, The Politics of non-violent action. Boston: Porter sargent, 1973. Volume No:2

· Per Herngren, PATH OF RESISTANCE.. THE PRACTICE OF CIVIL DISOBEDIENCE, Revised edition 2004.

أحمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف.. الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت، ط1، 2007

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف)

المصدر

أكاديمية التغيير

علماء في سجون السعودية

علماء في سجون السعودية.

ما قبل الربيع العربي: بشارات ذوبان الثلج




ما قبل الربيع العربي: بشارات ذوبان الثلج
بقلم: إريك غولدستين
حتى رغم أننا – كمتخصصين في حقوق الإنسان – نقضي وقتاً طويلاً نبحث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من كافة الأوجه، نتحدث إلى المستضعفين، إلى المضطهدين، والمرابطين بكل عناد… كان توقيت ومدى انتشار الثورات التي زلزلت المنطقة في عام 2011 مدهش ومفاجئ لنا، كما كان مفاجئاً لصناع السياسات والباحثين والدبلوماسيين والصحفيين.لماذا لم نتوقع هذه الأحداث؟ من الأسباب أننا لم نقدر بشكل صحيح مدى غلظة بعض النظم المستبدة، كما لم نقدر مطالب الحياة الأفضل حق قدرها، وتُقاس جزئياً بمعايير حقوق الإنسان. نعم، سمعنا الكثير عن “الحُجرة”، وهو اصطلاح جزائري يُستخدم في شتى أنحاء شمال أفريقيا للدلالة على ازدراء الحُكام لشعوبهم. لكن أخفقنا في رؤية مدى سرعة اشتعال الثورة في المنطقة، والتي كانت إلى حد بعيد، صراع ونضال من أجل الكرامة.إنه مفهوم محوري في عالم حقوق الإنسان. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يُقر بـ “الكرامة الأصيلة” للإنسان كونها أساس للحرية والعدالة والسلام العالمي. القرآن يقول “ولقد كرمنا بني آدم”، بينما الفلاسفة المعاصرون ربطوا بين الكرامة وحقوق الإنسان. مارثا نوسباوم، على سبيل المثال، كتبت أن جميع الأشخاص “متساوون في الكرامة والاستحقاق”. المصدر الأساسي لهذه القيم، على حد قولها، هو سطوة الاختيار الأخلاقي الكامن في البشر الذي يعطيهم حقاً في المطالبة بأنواع بعينها من المعاملة، من المجتمع والسياسة. “هذه المعاملة لابد أن… تحترم وتدعم حرية الاختيار، و… تحترم وتدعم مساواة الأفراد من حيث كونهم مصدر للاختيار” على حد قولها.

إن مفهوم الكرامة محوري للغاية في حقوق الإنسان لدرجة أنه – بالنسبة لي على الأقل – أصبح  معنى مجرداً، إلى أن أجبرتني احتجاجات الربيع العربي على تأمل معنى هذه الكلمة. قبل أن يشعل محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 بكثير، احتجاجاً على المعاملة المهينة التي صادفها ذلك اليوم – فأشعل احتجاجات خلعت الرئيس زين العابدين بن علي بعد شهر ونشرت الثورة لمسافات بعيدة، حتى سوريا والبحرين واليمن – كانت هناك احتجاجات لا حصر لها، لا تقل غضباً من المهانة، ومرت مرور الكرام. لكنها أضافت إلى حالة الغضب التي أرجعت صدى فعلة البوعزيزي الغاضبة لآخر مدى.

في 2004 على سبيل المثال، جلس صلاح الدين العلوي – المهندس الزراعي التونسي الذي خرج حينها من 14 عاماً في السجن على نشاطه السياسي – جلس في سوق في تونس ورفع لافتة يعرض فيها بيع بناته، في سخرية لاذعة مريرة. منعته حكومة بن علي من إعال أسرته، إذ ضغطت على اصحاب العمل حتى لا يستخدمون السجناء السياسيين المفرج عنهم، وفرضت عقوبة لمدة 16 عاماً بعد انتهاء مدة السجن من المراقبة الإدارية، عليه بمقتضاها الخضوع لمتطلبات المرور على مركز الأمن والتوقيع بالحضور، وهو ما يستهلك الوقت والمجهود.

هذا السعي الحثيث للكرامة – وتشمل الحق في حكم الإنسان لذاته – اتضح في شتى أنحاء تونس يوم الانتخابات، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، إذ انضم أكثر من 80 في المائة من الناخبين المسجلين لطوابير طويلة للتصويت في أول انتخابات حرة تشهدها تونس، وفي تلك الانتخابات كان الاختيار لأعضاء المجلس التأسيسي الذي سيكتب الدستور. وقال لي أحد الناخبين: “هذه أول مرة أقف في طابور ثلاث ساعات وأنا أبتسم”.

كذلك كان مطلب الكرامة هو الذي لم شمل الطبقة المتوسطة المصرية المشتتة على التحرك الجماعي، كما قال رامز محمد – خريج هندسة الكمبيوتر البالغ من العمر 26 عاماً ويعمل في مجال الاتصالات – لصحيفة نيويورك تايمز في فبراير/شباط 2011:

حجب [الحكومة] للاتصالات والإنترنت في 28 يناير/كانون الثاني كان أحد أسبابي الرئيسية – ومعي الكثيرين غيري – للنزول إلى الشوارع… تخيل أن تجلس في بيتك، دون أي اتصال بالعالم الخارجي. اتخذت القرار: “هذا كلام فارغ، نحن لسنا خراف في قطيعهم”. نزلت وانضممت للمظاهرات.

وبالنسبة للكثير من الليبيين، جاءت الكرامة مع تمرد أظهر للعالم “نحن لسنا القذافي” – القائد الذي تماثلت صورته مع ليبيا لأربعين عاماً – بل شعب قادر على تحديد مصيره.

لقد أخفقنا في التنبؤ بالربيع العربي لأننا ركزنا جهودنا على العرض أكثر من الطلب، فيما يخص حقوق الإنسان. أي أننا كنا أكثر اهتماماً بمقدار ما “تعرضه” الحكومات (أو لا تعرضه) من فرصة لممارسة الحقوق الأساسية، أكثر من تركيزنا على مطالب الشعوب الخاصة بممارسة هذه الحقوق، رغم المخاطر التي تأتي مع هذه المطالب.

كنا نميل لأن نرى بالأساس تلك الحكومات المستبدة – التي لم تخف قبضتها عن الشعوب يوماً رغم تسامحها مع تعددية تحت السيطرة وإعلام مطبوع مستقل على استحياء، ومجتمع مدني هش. لم نمنح التوقعات والمطامح المتزايدة حق قدرها، والتي تحولت في عام 2011 إلى ثورات عارمة، وخلالها قدم آلاف المتظاهرين السلميين أرواحهم، في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين.

هو خطأ يمكن تفهمه إلى حد ما. فبعد كل شيء، مع بداية العام، كانت أغلب المجتمعات العربية تعيش في ظل حُكام مستبدين منذ عقود. والأقل ظهوراً كان نشاط حقوق الإنسان، والاحتجاجات الاقتصادية والسياسية التي راحت تحتشد في بطء في العديد من الدول العربية أثناء السنوات العشر الأخيرة

على سبيل المثال، ظهرت حركة كفاية في مصر عام 2004، وخلطت بين مظاهرات الشوارع والنشاط على الإنترنت في سعي لمعارضة فترة جديدة للرئيس حسني مبارك ولرفض تجهيزه ابنه للرئاسة من بعده. اشتدت حمية الحركة العمالية في مصر. في أبريل/نيسان 2008 أدى قمع الشرطة لإضراب عمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى إلى مقتل أربعة أشخاص. وتم تشكيل مجموعة على الفيس بوك بعنوان حركة شباب 6 أبريل للتضامن مع المحلة، وتزايدت سريعاً إلى عشرات الآلاف من الأعضاء، والكثير من الأعضاء شباب ومتعلمون بلا تاريخ من النشاط السياسي. كانت تلك الحركة من بين أهم منظمي مظاهرات ميدان التحرير التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وهناك قصة مماثلة في تونس، حيث عصفت المظاهرات في عام 2008 بمنطقة قفصة القصيةحيث ملأ الفقراء والعاطلين عن العمل الشوارع لمعارضة المحسوبية في استخدام شركات التعدين الحكومية للعاملين. عندما ردت الشرطة بالاعتقالات الجماعية والتعذيب، تشكلت شبكة تضامن قوية، وحزب سياسي، واجتمع نشطاء حقوق الإنسان لدعم ضحايا قفصة. بينما سحق الرئيس بن علي في النهاية مظاهرات قفصة ومنع المؤيدين لها من كسب الزخم، كانت محصلة تظاهرات “الداخل” التونسي المحروم وحركة التضامن في الشمال، مقدمة لثورة ديسمبر/كانون الأول 2010 ويناير/كانون الثاني 2011 التي غيرت النظام.

وبعد اتحاد شمال وجنوب اليمن في عام 1990، ازدهر المجتمع المدني وتمكن إلى حد بعيد من مناوءة جهود الرئيس علي عبد الله صالح منذ عام 2007 الرامية لقمع الإعلام المستقل والجمعيات المستقلة، وهو يتولى السلطة منذ عام 1978. في مطلع عام 2011 أصبح قيادات المجتمع المدني قوة هامة في المظاهرات التي طالبت برحيل الرئيس. (الحركة المعارضة لصالح اكتسبت القوة أيضاً من المتمردين الحوثيين في الشمال والانفصاليين في الجنوب، ويزعم هذان الطرفان أنهما تعرضا للتمييز من الحكومة المركزية، وجاء الدعم أيضاً من فرقة عسكرية منشقة ومن ميليشيات تابعة للقبائل).

حتى في سوريا وليبيا – حيث توجد حكومات من أقسى حكومات المنطقة – تسارعت وتيرة الاهتمام بحقوق الإنسان على مدار السنوات العشر الأخيرة. في سوريا ظهر “ربيع دمشق” الإصلاحي ولجان إحياء المجتمع المدني التي بدأت عملها بعد تولي بشار الأسد بقليل للرئاسة من والده في عام 2000، وكذلك إعلان دمشق عام 2005، الذي ظهر فيه تصميم جديد من مجموعات صغيرة من السوريين راحوا يطالبون بالحقوق الأساسية، رغم أن الكثير منهم انتهى مصيرهم إلى السجن لمدد طويلة. وفي ليبيا، أصبح أهالي ضحايا مذبحة سجن أبو سليم عام 1996 أول مجموعة في ليبيا تتظاهر بشكل منتظم في الأماكن العامة بعد أن أمرت محكمة في شمال بنغازي في عام 2008 بأن تكشف الحكومة مصير سجناء أبو سليم الذين “اختفوا”.

بالإضافة إلى هذه المواجهات المباشرة، كانت هناك عناصر أهدأ وأقل ظهوراً للمعارضة في طور التشكل.

في تونس، بعد أن اختفى المتعاطفون مع حقوق الإنسان في مطلع وأواسط التسعينيات تحت ضغوط حكومة بن علي، عادوا للظهور بعد سنة 2000. في عام 2001 على سبيل المثال، وجدنا أستاذ صحافة يحضر فعاليات من تنظيم الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ويطلع الزوار الأجانب على نقص الحريات الإعلامية. قبل خمس سنوات فقط، كان قد رفض مقابلة هيومن رايتس ووتش لأنه كان يخشى الاستجواب والمراقبة من الشرطة السرية. أما أهالي السجناء السياسيين الذين رفضوا قبل سنوات التواصل مع منظمات حقوق الإنسان الدولية خشية الانتقام منهم أو من أقاربهم المحبوسين، أصبحوا يسعون للتحدث مع هذه المنظمات ويسعون للكشف علناً عن مصاب أقاربهم المحتجزين.


ما الذي تغير؟بالنسبة لأستاذ الصحافة، كان الإحساس الجديد بأن المجتمع المدني الذي أصيب بالشلل لمدة طويلة وأنه حان وقت اتخاذ موقف. بالنسبة لأهالي السجناء السياسيين، كان إدراك أن الصمت لم يعد عليهم بأي مكاسب وأن أقاربهم ما زالوا في السجون، ولم يعد شيء يخسروه. النتيجة هي تشكل دائرة خارجية حول النشطاء الأصلب، دائرة من الأفراد المستعدين لاتخاذ موقف، ولو حتى بشكل أقل علانية، فيما يخص قضايا حقوق الإنسان.عزز من هذه التغييرات انتشار تقنيات الاتصال الحديثة التي قربت ما بين النشطاء، بأقل تكلفة، مع توفر جمهور داخلي ودولي لهؤلاء النشطاء. ومع القدرة على تبادل المعلومات والآراء بشكل آمن ودون كشف السرية، شجعت صلات هؤلاء النشطاء بشبكات أكبر على الاستمرار رغم القمع. كما شجعتهم على صياغة مطالبهم الخاصة بالتغيير من منطلقات حقوق الإنسان، وهو إطار عالمي وغير متحيز لأي طرف يمكن لجمهورهم أن يقبله بغض النظر عن توجهاته السياسية.وفي الوقت نفسه، بدأت الحكومات تقر بأنها غير قادرة على تجاهل صورتها الخاصة بحقوق الإنسان. الزعماء الذين سبق وقللوا من شأن حقوق الإنسان وقالوا إنها مفهوم غربي وأجنبي على الثقافة المحلية، بدأوا في التسعينيات يشكلون هيئات حقوق الإنسان الخاصة بهم ويدعمونها.

بحلول سنة 2000، كانت هذه الهيئات أو المجالس تعمل في كل دول المنطقة تقريباً. عملاً، أغلب هذه المنظمات جمّلت إلى حد ما من سجل الحكومة، بينما حاولت هيئات أخرى تشتيت الانتباه عن الانتهاكات. القصد هنا ليس الغرض من هذه الهيئات، بل كونها تعكس إقرار الحكومات بحقوق الإنسان كعامل هام للحُكم على أداء الحكومات، سواء داخلياً أو دولياً.

هناك مؤشر آخر على الوعي بحقوق الإنسان في هذه الدول، هو عدد الضحايا الكبير أو الشهود الذين أصبحوا يوافقون على إمداد محققي حقوق الإنسان بالأدلة. عندما يسعى باحثونا للاطلاع على أقوال أشخاص، مثلاً بشأن التعذيب أو السجن غير القانوني، يشرح باحثونا لهم أننا نحضر لتقرير علني لفضح الانتهاكات وللضغط على الحكومة كي تكف عن الانتهاكات. ونظراً لقلة ما يمكننا أن نعد به الضحايا وشهود العيان من أمان، كان من المدهش والمؤثر أن نرى كيف يوافق أغلبهم على رواية ما عندهم من أحداث. روايتهم لتجاربهم أعطاهم إحساساً بالكرامة، أو بتكريم الضحايا، وتأطير ما يعتبر دون الحكي واقعة محلية شاهدة على القسوة والظلم يُحكم عليها بإطار قانوني دولي مبني على المواثيق التي التزمت حكوماتهم باحترامها. الشهادة حول القتل غير القانوني يصل الأهالي ببعضهم البعض، ويؤدي لظهور أنماط الانتهاكات مما يؤدي لتقويض جهود الحكومات الرامية للتقليل من شأن الانتهاكات أو عرضها بصفتها حوادث فردية معزولة.

أحداث عام 2011 تذكرنا بأن تأكيد المرء على حقوقه في مواجهة الحكومات المستبدة لا يعني اعتناقه كافة الحقوق لكل الناس. مطالب حقوق الإنسان ربما أعطت الحيوية للمظاهرات التي زلزلت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2011. لكن حماية الحقوق – لا سيما حقوق القطاعات المستضعفة من الشعب – تبقى معركة صعبة في بلدان رحل عنها حكامها المستبدون، وليس فقط في البلدان التي ما زال يحكمها مستبدون.

في الشهور التالية على رحيل بن علي ومبارك على سبيل المثال، تظاهرت السيدات في تونس ومصر للمطالبة بالمساواة، لكن تعرضن للصفع والتحرش والتهديد من قبل معارضين للمظاهرات. قام متظاهرون في تونس في يونيو/حزيران باقتحام دار سينما وأحرقوا منزل مسؤول بقناة تلفزيونية في أكتوبر/تشرين الأول احتجاجاً على برامج يرونها مهينة للإسلام. في ليبيا أساء الثوار الليبيون معاملة الآلاف من العمال المهاجرين الأفارقة، بحجة أنهم مرتزقة لمعمر القذافي. وفي مصر ألقت الأحداث الطائفية بظل ثقيل على الوحدة بين المسلمين والمسيحيين التي رأيناها في المظاهرات المعارضة لمبارك.

هذه المنطقة التي أصبح من الصعب التنبؤ بأحداثها وأحوالها سريعة التبدل، يُرجح أن تأتينا بمفاجآت جديدة في عام 2012. مع زيادة الطموحات للحياة الكريمة التي زلزلت أركان حكومات كثيرة في المنطقة في عام 2011، ربما تظهر ثورات جديدة ضد الحكومات الجديدة في تونس وبلدان أخرى، إذا لم تحقق هذه الحكومات تلك الطموحات. إننا لم نتوقع الربيع العربي لأننا لم نراع بشارات ذوبان الثلج الأولى. لكننا سنتذكر جيداً ما أظهرته لنا الشعوب العربية من قوة الطموح للكرامة، وهي قوة يُرجح أنها لن تتراجع أو تنحسر قريباً.


المصدر:

حان وقت التخلي عن الطغاة والتمسك بحقوق الإنسان: رد الفعل الدولي على الربيع العربي

حان وقت التخلي عن الطغاة والتمسك بحقوق الإنسان: رد الفعل الدولي على الربيع العربي
بقلم: كينيث روث

الحقيقة المُحزنة هي أن السياسة الغالبة على الغرب تجاه الشعوب العربية كانت دائماً سياسة احتواء. اليوم بدأ الكثيرون يهللون مع خروج شعوب المنطقة إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها، لكن حتى وقت قريب كانت الحكومات الغربية تتصرف كثيراً تجاه الشعوب العربية وكأنها لابد من الخوف منها، واستمالتها، والسيطرة عليها. في مناطق أخرى من العالم، انتشرت الديمقراطية، لكن يبدو أن الغرب راض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفة من المستبدين العرب، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعونها. في مناطق العالم الأخرى، متوقع من الحكومات – من حيث المبدأ على الأقل – أن تخدم شعوبها، لكن الغرب ينظر إلى أباطرة ومستبدين العالم العربي وكأنهم ضمانة “الاستقرار”، حتى لا ينزاح الغطاء عن صندوق المطالب الشعبية. العالم يروج لحقوق الإنسان كقاعدة عامة، لكن العالم العربي هو الاستثناء في نظر العالم.

لقد أظهر الربيع العربي أن الكثير من شعوب المنطقة لا تفضل تواطؤ الغرب مع الحكم المستبد. هذه الشعوب التي رفضت الاستمرار في لعب دور الرعايا المستكينة لحُكام لا يخدمون إلا أنفسهم، بدأت في الإصرار على الاستمتاع بالمواطنة الكاملة في بلدانها، وأن تضع مصيرها في يدها. في بلد تلو الآخر، أشعلت أعمال القمع حالة الغضب الشعبي على نظم أقدمت على أعمال دموية كثيرة. هذه المرة نهض الشارع العربي – الذي طال نقاش أحواله وطال سكونه – وقلب النظام القديم. بعد أن اكتشفت قوتها وصوتها المدوي، قامت شعوب المنطقة بقلب سياستها بشكل تصعب معه العودة إلى ما كان.

في تونس، كان العامل المحفز هو إشعال بائع الفواكه محمد البوعزيزي النار في نفسه، بعد حالة إهانة “روتينية” من قبل الشرطة. في مصر، كان المحفز هو صور وجه خالد سعيد المشوه، الشاب الذي ضربته الشرطة حتى الموت. في سوريا، كان تعذيب أطفال في سن المراهقة كتبوا في الشارع شعارات مناهضة للنظام. في ليبيا، كان اعتقال فتحي تربل، محامي ضحايا مذبحة سجن أبو سليم التي وقعت عام 1996. هذه الأمثلة اليومية للانتهاكات – بين أمثلة أخرى لا حصر لها – أشعلت شرارة ما يعتبر في جوهره سلسلة من ثورات حقوق الإنسان، تحركها مطالبات بحكومات يمكن أخيراً أن تنتخبها شعوبها، تحترم حقوق هذه الشعوب، وتخضع لسيادة القانون.

ما زال الغرب يحاول التكيف مع هذا التحول التاريخي. بينما تعارض الكثير من نظم العالم الديمقراطية بشكل عام القمع العنيف للمظاهرات السلمية، فهي ما زالت مترددة في التحالف مع المتظاهرين، خائفة من تبعات ائتمان هؤلاء المواطنين على هذه الدول الهامة.

وإذا كانت الحكومات الغربية سريعة في تخليها عن أصدقاءها المستبدين، فالكثير من الدول الأخرى أبدت العدوانية الصريحة تجاه الثورات. الحكومات الديكتاتورية راحت ترتعش – وهو المتوقع – من سابقة خروج الشعوب على النظم المستبدة وقلبها. وقد تمادت الصين واتخذت إجراءات عجيبة، إذ منعت “مسيرات الياسمين” التي نُظمت بإلهام من ثورة الياسمين التونسية. كما أن كوريا الشمالية عقدت العزم على إخفاء الربيع العربي عن شعبها، لدرجة أنها منعت عودة عمالها في ليبيا إلى الوطن. من زيمبابوي إلى إيران، من سودان إلى أوزبكستان، من الصين لروسيا، من أثيوبيا لفيتنام، يعيش المستبدون في خوف من قوة الشعوب التي تجلت في الربيع العربي.

وهم ليسوا مخطئون في توقعاتهم ومخاوفهم. فلقد أظهرت الانتفاضات الشعبية أن السعي للحقوق مطلب جماهيري، قادر على توحيد عناصر المجتمع وأجياله المتباينة على كلمة واحدة من أجل التغيير. أدوات القمع القديمة – الرقابة والاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل – لم تؤد إلا لزيادة جرأة المتظاهرين ما إن اكتسبوا الثقة في عددهم الكبير. وبدلاً من أن تُنزل بالمتظاهرين الخوف وتحملهم على الإذعان، أظهرت أعمال القمع المستبدين على حقيقتهم، وألقت الضوء على صدق وسلامة قضية المتظاهرين. إن في هذا تحذير مُرعب لنظم استكانت إلى افتراض أن قدراتها القمعية كفيلة دائماً بإجهاض غضب الجماهير.

هناك دول كان رد فعلها إزاء الربيع العربي مؤسف بشكل خاص، وهي بعض الحكومات الديمقراطية من الجنوب العالمي، مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا. يبدو أن هذه النظم تهتم بنظريات عفى عليها الزمن، مثل سيادة الدولة، أكثر من مراعاتها لمطامح وآمال الشعوب العربية، حتى إذا كان هذا يعني حماية النظم القمعية من الضغوط الدولية المطلوبة بقوة وبسرعة. ورغم أن هذه الدول نفسها تتمتع بحكومات قابلة للمساءلة وتخضع لسيادة القانون، فإن نظم الجنوب الديمقراطية لم تُظهر إلا اهتمام نادر التجلي في مساعدة العالم العربي الذي يناضل من أجل إنشاء نفس النظم الخاضعة للمساءلة وسيادة القانون. في أكثر الأحيان، أشارت تلك النظم الديمقراطية الجنوبية إلى سوء استخدام محتمل للضغط بمجال حقوق الإنسان – الخوف من استخدام هذه الأداة في هيمنة دول الشمال – لتبرير إخفاقها في ممارسة ضغوطها على المرتكبين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

هذه اللامبالاة من أطراف عديدة بحقوق شعوب المنطقة لابد أن تنتهي. أفضل سبيل للضغط على مضطهدي الشعوب العربية لوقف نزيف الدماء هو الوقوف بحزم إلى جانب شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أثناء مطالبتهم بحقوقهم المشروعة. الإصرار المبدئي على احترام الحقوق هو أيضاً أفضل سبيل لمساعدة هذه الحركات الشعبية في الخروج سالمة من أي انحرافات محتملة نحو عدم التسامح أو سقوط دولة القانون أو الانتقام من عناصر النظم القديمة بلا مراعاة لإجراءات القضاء، وهي مخاطر تشهدها كل الثورات وقد تتحقق في أعقاب الثورات.

إن الربيع العربي لحظة تحول، فرصة تاريخية كي تمسك الشعوب التي عانت من القمع طويلاً بزمام مصيرها في يدها. إلا أنه ليس بالتحول السهل. شعوب المنطقة – مثل شعوب العالم – تستحق مساندة العالم أثناء سعيها للحصول على حقوقها مع بدء هذه الرحلة التي طال انتظارها. لقد حان وقت سقوط “الاستثناء” العربي من قاعدة المطالبة بحقوق الإنسان للجميع.

احتضان الغرب للطغاة العرب

لقد سمحت الحكومات الغربية بـ “الاستثناء” العربي لأنها كانت تعتقد أن أفضل من يخدم مصالحها في المنطقة هم الحُكام المستبدون، بوعدهم الوهمي بـ “الاستقرار”، وفضلت هذا الاختيار على مسار الحكومات المنتخبة المليئة بالاحتمالات. هناك خمسة أسباب مركزية تفسر قبول الغرب في الماضي لهؤلاء الرؤساء والأباطرة الذين كانوا يعتقدون أنهم سيشغلون كراسي الحُكم إلى نهاية حياتهم.

السبب الأول هو “احتواء” أي تهديد للمصالح الغربية من الإسلام السياسي. فالحكومات الغربية وحلفاؤها لطالما نظروا إلى الإسلام السياسي نظرتين لا نظرة واحدة – إذ تدعم الإسلام السياسي عندما تراه مفيداً لمواجهة عدو مرهوب الجانب (المجاهدين ضد السوفييت، حماس ضد منظمة التحرير الفلسطينية) أو عندما تلتقي مصالحه مع الغرب (السعودية مثالاً). لكن عندما يتحدى الإسلام السياسي الحكومات الصديقة، يصبح حذر الغرب عميقاً.

من العوامل الكبرى المحفزة على انعدام الثقة هذه، كانت دولة غير عربية، وهي إيران، بعد أن خلعت الشاه المدعوم من الغرب. الخوف من “خوميني آخر” – أي المزيد من العدوانية إيرانية اللون تجاه الولايات المتحدة، والقسوة والدموية مع الشعب ودعم حزب الله وحماس – دفع الكثير من حكومات الغرب إلى عدم الثقة بالإسلام السياسي وقت أن اتخذ هيئة حركة معارضة تتحدى نظاماً حليفاً.

بلغ انعدام الثقة هذا مبلغه في بداية التسعينيات، بعد انفتاح سياسي وجيز في الجزائر، إذ ظهر أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك تحقيق انتصار انتخابي. أوقف الانقلاب العسكري العملية الانتخابية دون أدنى احتجاج من الغرب. قال مناصرو الانقلاب أن الأجندة السرية للإسلاميين كانت السماح “بعملية انتخابية واحدة لن تتكرر”. الحق أن الكثير من الأحزاب الإسلامية اتخذت مواقف مزعجة تخرق حقوق النساء وتقيد من الحريات الدينية والشخصية والسياسية. لكن كذلك فعلت الكثير من النظم القمعية التي يدعمها الغرب. كما أنه لا يمكن اعتبار الحركات الإسلامية منحازة ضد الحقوق من حيث المبدأ. ولكن، بدلاً من الاشتباك مع هذه الحركات لمطالبتها باحترام الحقوق، عاملتها نظم الغرب كأنها كيانات منبوذة لا مجال للتواصل معها.

انعدام الثقة هذا أدى إلى ازدهار السخرية من دعم الغرب للديمقراطية في المنطقة. مثلا، في محاولة من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لتبرير غزوه للعراق – بعد أن بدأ الغزو – تحدث عن ترويج الديمقراطية. ضغط بوش أقل الضغط من أجل إجراء انتخابات ببلدان المنطقة الأخرى. لكن سرعان ما انتهت تلك الأجندة الديمقراطية عندما ربحت حماس في انتخابات نزيهة في الضفة الغربية وغزة عام 2006، وعندما ربح الإخوان المسلمون مقاعد في انتخابات مصر البرلمانية عام 2005.

ورغم الحذر الغربي، ربح الإسلام السياسي أتباعاً إذ أصبح تيار التعبير الأول عن الغضب من حُكام المنطقة الفاسدين غير المستجيبين لمطامح الشعوب. لأن المسجد كان في العادة المؤسسة الأكثر حرية في مجتمع مدني مقموع؛ أصبح المسجد نقطة تجمع طبيعية للغاضبين. ودأب زعماء العرب في أغلب الحالات على التلويح بتهديد الإسلاميين العدوانيين كبديل لهم حتى يضمنوا دعم الغرب في حملاتهم القمعية وحتى يتجاهلوا مطالب الانتخابات النزيهة.

السبب الثاني لاحتضان الغرب لطغاة العرب هو تصور الغرب أنهم قادرين على مكافحة الإرهاب. المتطرفون العرب لا يحتكرون الإرهاب بأي حال من الأحوال، لكن صناع السياسة في الغرب يرون جماعات عربية معينة على أنها تمثل تهديد بالغ لها لأنها تقتل المدنيين في بلدانها وفي الغرب أيضاً. وباسم حماية المدنيين، كانت الحكومات الغربية مستعدة لدعم الطغاة العرب الذين تعهدوا بمكافحة أولئك الإرهابيين. أما مسألة تعذيب هؤلاء الطغاة وقمعهم لشعوبهم فهي مسألة ثانوية للغرب. كما تجاهل الغرب حقيقة أن هذا القمع يزيد عادة من دعم الأفراد للجماعات المتطرفة والعنيفة.

ثالثاً، ائتمن الغرب الطغاة العرب أكثر مما ائتمن الشعوب العربية على تحقيق حالة “وفاق” مع إسرائيل – وهو عامل مهم للغاية في سياسة الغرب إزاء مصر والأردن وسوريا ولبنان إلى حد ما. الكثير من العرب أزعجهم بطبيعة الحال قمع إسرائيل للشعب الفلسطيني، وكثيراً ما احتجوا عليه. طغاة المنطقة سرعان ما تعلموا أن يسمحوا بهذه الاحتجاجات، بل ويشجعونها، كونها طريقة جيدة لإفراغ الغضب بعيداً عن سوء إدارتهم لبلادهم. طالما الطغاة العرب قادرون على السيطرة على المظاهرات، فهم يتمتعون بدعم الغرب. أولئك الذين اتخذوا خطوات أوسع ووقعوا اتفاقية سلام مع إسرائيل تلقوا مساعدات أمريكية ضخمة، بغض النظر عن سياساتهم الداخلية.

رابعاً، كان الغرب يرى طغاة العرب أفضل سبيل لاستمرار تدفق النفط. بالطبع حتى إيران في عهد آية الله روح الله خوميني وليبيا في عهد معمر القذافي مستعدتان لبيع النفط للغرب. لكن مع ضيق حال الأسواق وارتفاع أسعار النفط والتغيير الثوري، لا سيما في السعودية، خاطر الغرب باضطرابات اقتصادية مع اضطراب تدفق النفط. كما أن الغرب لم يرغب في حصول إيران العدوانية على مخزون النفط الهائل في دول الجوار الخليجية. لمنع هذه السيناريوهات، أو أي تهديد للعلاقات المريحة التي انعقدت بين نخب الشركات والأعمال الغربية والعربية، فضل الغرب الطغاة الذين يعرفهم على حكم الشعوب بما يحمله من نزوات وقرارات قد لا تصب في صالح الغرب. وفي الوقت نفسه، أعطت أرباح النفط الهائلة لهؤلاء الطغاة سبلاً قمعيةتمكنهم من الاحتفاظ بالسلطة دون مساءلتهم أمام جمهور من دافعي الضرائب.

وأخيراً، فإن الغرب – لا سيما الاتحاد الأوروبي – لجأ إلى حكومات المنطقة السلطوية كي تساعده في وقف تدفق المهاجرين. شمال أفريقيا مصدر ضخم ونقطة ترانزيت مهمة للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا. اعتمد الغرب على حكومات قمعية في وقف التدفق – في منع المهاجرين من مغادرة شطآنهم، وقبول عودتهم إلى بلدانهم إذا هم غادروا الشطآن، دون تحري النظر في طلباتهم بالهجرة أو اللجوء. الاتحاد الأوروبي بدوره كافأ هذه الحكومات باتفاقات تجارة ومساعدات عديدة.

أكذوبة “الاستثناء العربي”

رغم أنانية حكومات الغرب في تحقيقها لمصالحها، فهي لا تريد الاعتراف بتفضيلها للنظم المستبدة في العالم العربي. بل تتصرف وكأن الأخطاء الشائعة عن المجتمع العربي حقيقية، من تصورات مثل أن الشعوب العربية خاملة سياسياً وغير متقدمة ولا تبالي بمن يحكمها، وكأن هذه الخصال مرتبطة بالحضارة العربية، أو تصور أن مزج العادات العربية بالإسلامية جعل شعوب المنطقة غير مهتمة بالديمقراطية أو أن الديمقراطية لا تناسبها. الثورات التي زلزلت العالم العربي تنزع أي مصداقية عن هذه الأعذار الواهية من أجل مساندة طغاة المنطقة.

المدهش أن أي من الأسباب والدوافع التي يخشاها الغرب لم تكن وراء حركة التظاهر الشعبية التي انطلقت العام الماضي. لا توجد أدلة تُذكر على أن الإسلام السياسي كان الشرارة أو القوة المحركة للانتفاضات الشعبية، فلقد ظهر فيما بعد، عندما أعطى تنظيم الإسلاميين الأفضل واحتلالهم من قبل لمقاعد المعارضة ميزة تنافسية على النشطاء والأحزاب الأحدث. كما لم يكن ثمة مكان بارز في صفوف المتظاهرين لمعارضة السياسات الإسرائيلية أو دعم الإرهاب أو كراهية الغرب. لقد كانت الانتفاضات الشعبية بالأساس تصميم راسخ على تحسين مستوى الحياة داخل الوطن بدلاً من الفرار إلى أوروبا.

وكانت القوة المحركة للثورات هي معارضة الحكم المستبد نفسه. التونسيون والمصريون والليبيون والبحرينيون واليمنيون والسوريون وغيرهم من الشعوب، نالوا كفايتهم من القمع والفساد والمحسوبية والحكم المتعسف والمجتمعات الراكدة التي وفرها لهم المستبدون. كانت مظاهرات غضب على نخبة منفصلة عن الواقع ولا تخدم إلا مصالحها. مثل الثورات التي قلبت أوروبا الشرقية رأساً على عقب في عام 1989، كانت الثورات العربية بإلهام من رؤى للحرية ورغبة في تولي البشر لمصائرهم، والسعي للإتيان بحكومات قابلة للمحاسبة أمام الجمهور، لا أن تسيطر عليها نخبة حاكمة.

المجتمع الدولي يمسك العصا من المنتصف

لكن ها هي الحكومات الغربية تتوخى “الوسطية” ومسك العصا من المنتصف إزاء هذه الحركات الشعبية، وترد ردوداً انتقائية، لا تعرف كيف المواءمة بين ارتياحها للنظم المستبدة القديمة والإدراك السريع لأن أيام هؤلاء الطغاة معدودة. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما الطرفان الأكثر التزاماً بالمبادئ في رد الفعل على قمع حكومتين عربيتين. في ليبيا، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات وطالبت بتدخل المحكمة الجنائية الدولية. وبسرعة قامت عدة دول بتحضير رد عسكري على ما رأته كارثة وشيكة التحقق على حقوق الإنسان. وفي سوريا، بعد بعض التردد، تحالفت القوى الدولية مع حركة المعارضة السلمية واستهدفت حكومة الرئيس بشار الأسد بعقوبات على أفراد.

إلا أنه في دول أخرى كان تعامل الغرب مع انتفاضات الشعوب أكثر تردداً وأقل يقيناً. ترددت الحكومة الأمريكية في مواجهة رئيس مصر، حسني مبارك، وكان يُنظر إليه على أنه دعامة قوية لـ “استقرار” المنطقة، إلى أن تبين أن مصيره حتمي. ثم ظهر التردد طويلاً في الضغط على المجلس العسكري الحاكم في مصر كي يُخضع نفسه لحكم مدني. وكانت فرنسا متمسكة بنفس النهج برئيس تونس، زين العابدين بن علي، إلى أن أوشك على السقوط.

وبالمثل، لم تمارس الحكومات الغربية ضغوطاً فعالة على حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بسبب قتلها للمدنيين، وكانت ترى في صالح خط دفاع ضد القاعدة في الجزيرة العربية. أدان الغرب قمع البحرين لحركة الديمقراطية البحرينية، ودعى لإجراء بعض الإصلاحات، لكنه لم يمارس أي ضغوط حقيقية على الحكومة البحرينية من واقع الخوف على مصير قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي، وكذلك كان النهج نفسه مع السعودية، التي خشت من تدخل إيران في البحرين ذات الأغلبية الشيعية، وخوفاً من تواجد نموذج ديمقراطي على الحدود السعودية. حتى داخل أروقة الحكومة الأمريكية، كان صناع السياسات منقسمين على البحرين، إذ منع الكونغرس الأمريكي صفقة أسلحة للبحرين أقترحتها إدارة الرئيس باراك أوباما. وفي الوقت نفسه، دعت الحكومات الغربية لإجراء إصلاحات في نظم المنطقة الملكية الأخرى، مثل التعديلات الدستورية في المغرب ووعود التغيير في الأردن، لكنها – هذه الحكومات الغربية – لم تقل الكثير عن اتخاذ هذه النظم الملكية لإجراءات معادية للديمقراطية، مثل تبني قوانين قمعية جديدة في السعودية، أو سجن خمسة نشطاء في الإمارات.

ولقد ظهر في سلوك الدول الأخرى غير الغربية نفس نمط التردد والكيل بمكيالين. بحكم العادة تسعى حكومات جامعة الدول العربية للدفاع عن بعضها البعض ضد أي شكل من أشكال انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان. ها هي الآن بدأت تتواصل بشكل بناء أكثر، مدفوعة بدرجات متفاوتة بحكومات ما بعد الثورات والخصومات الإقليمية (لا سيما مع إيران)، وفي محاولة لأداء دور ما وسط حركات الديمقراطية التي تشهدها المنطقة. في ليبيا، صدقت جامعة الدول العربية على الضغط على القذافي، مما مهد الطريق أمام تحرك مجلس الأمن. وفي سوريا، احتجت جامعة الدول العربية على عمليات القتل السياسي وخرجت بخطة لإنهاء العنف فوافقت عليها سوريا موافقة نظرية. عندما خالفت سوريا وعدها – وهو المتوقع – جمدت جامعة الدول العربية عضويتها وأعلنت عن عقوبات.

وعلى النقيض، كان الاتحاد الأفريقي متواطئ بشكل مخزٍ أكثر. ذلك الاتحاد الذي أُسس بدعوى ترويج الديمقراطية، تحرك وكأنه نادٍ لمناصرة الطغاة، فانحاز إلى أي حكومة في السلطة بغض النظر عن سلوكها. مع اندلاع الثورات في تونس ومصر وليبيا، كان الاتحاد الأفريقي في أفضل تقدير غير ذات دور، وفي أسوأ تقدير غير متعاون بالمرة. المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب – وهي جهة مستقلة – كانت الهيئة الوحيدة في الاتحاد الأفريقي التي أمرت القذافي بوضع حد لأعمال القتل، وذلك في حُكم أصدرته المحكمة في أول قضية مهمة لها.

أما روسيا والصين فلم يتسامحا مع التحركات الدولية في ليبيا إلا عندما ظهر أن عزلتهما السياسية ستجعل معارضة هذه الإجراءات الدولية منهما تبدو قاسية. لكن عندما ظهر شركاء لروسيا والصين في اللامبالاة إزاء سوريا على سبيل المثال، لم يشعرا بأي ذنب مع استعمال حق الفيتو ضد القرارات الدولية.

ومن جانبها، فقد صدقت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا – وهي نظم ديمقراطية مهمة في مجلس الأمن – على التحركات الدولية في ليبيا أو تحملتها، لكنها تذرعت بتجاوز الناتو المزعوم لتكليفه بحماية المدنيين كمبرر لرفضها التصديق على أي ضغوط رمزية حتى من مجلس الأمن على سوريا.

هذا التعامل الحذر من المجتمع الدولي جاء في وقت تعتبر فيه الثورات العربية بعيدة كل البعد عن الانتهاء. الثوار المثاليون يواجهون ضغوطاً جسيمة وغالبة وليست لديهم أي ضمانات بالانتصار. كما أن الثوار أنفسهم انتهكوا في بعض الحالات حقوق الإنسان، إذ يبدو مثلاً أن ميليشيات ليبية أعدمت معمر القذافي وابنه معتصم القذافي بدون محاكمة، واضطهدت عمال مهاجرين أفارقة سود البشرة. يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً هاماً في مناوئة هذه التهديدات حتى تخرج إلى النور نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، نُظمٌ تخرج من عباءة القوى القديمة ومن القوى الثورية الجديدة.

دول المنطقة العربية ثلاث فئات

من المفيد أثناء النظر إلى المنطقة التفكير فيها على أنها ثلاث فئات فضفاضة من البلدان. الأولى قوامها تونس ومصر وليبيا، وهي تلك التي خلعت نظماً مستبدة قديمة (لكن في مصر لم يتم خلع الحُكم العسكري المتمترس في السلطة) وحتى كتابة هذه السطور تمر هذه الدول بمرحلة صعبة، هي مرحلة بناء نظام حكومي جديد. المهمة ليست سهلة أو هينة. من الأسهل هدم المؤسسات المستبدة، ومن الصعب استبدالها بمؤسسات ديمقراطية. من السهل حشد الإجماع على الحاجة لخلع المستبد، ومن الأصعب تهيئة رؤية جماعية مشتركة لمن يحل محله. وعلى النقيض من أوروبا الشرقية في عام 1989، فلا يوجد إغراء الانضمام للاتحاد الأوروبي لتشجيع الحكومات الجديدة على احترام حقوق الإنسان (رغم أن الاتحاد الأوروبي لديه جزرات أخرى يقدمها، مثل الامتيازات التجارية وتيسير إجراءات تأشيرة السفر). كما أن النظم القمعية لم تسقط سريعاً بنفس سرعة سقوط النظم في عام 1989، وليس خصوم هذه النُظم المستبدة موحدين. وهناك نموذج يطل برأسه، هو النظم الديكتاتورية في جمهوريات وسط آسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث سادت القوى المعادية للديمقراطية وحلت النظم القمعية محل الحكومة الشيوعية.

لكن لحسن الطالع، فدول هذه المجموعة ليست محملة كثيراً بأعباء الصراع الطائفي الذي سمم جهود إعادة إعمار العراق فيما بعد سقوط صدام حسين، وهي نفس الطائفية التي تطل برأسها مثلاً في سوريا والبحرين والسعودية. إلا أن هذه الدول لديها انقساماتها الخاصة بها، التي قد تشتعل في أي وقت – انقسامات طائفية في ليبيا، أقباط ومسلمون في مصر، الساحل والداخل في تونس. في أوقات الحيرة يصبح الناس أكثر عرضة للخوف والاستثارة، مما يدفعهم للجوء لهوياتهم الضيقة، وهناك دائماً مستفيدون من النظام القديم، على أهبة الاستعداد لاستثمار هذه المخاوف وحشدها. ثم إنه إذا استمرت الضائقة الاقتصادية، فهناك خطر متزايد أن يتخلى الناس عن المُثل الديمقراطية وأن يعتنقوا سياسة أقبح وأقل تسامحاً.

في الوقت الحالي يبدو أن تونس هي الأقرب للتقدم على الطريق السليم. القوانين القديمة التي تقيد عمل الجمعيات وحرية التجمع وحرية التعبير والأحزاب السياسية تم إصلاحها. بعد الانتخابات على المجلس الدستوري المشهود لها بالحرية والنزاهة، ربح حزب النهضة أعلى نسبة أصوات، وتقدم قيادات الحزب بوعود مُشجعة عن بناء تحالف حاكم واسع واحترام حقوق جميع التونسيين. هذه بداية واعدة، لكن الوعود بطبيعة الحال تنتظر الاختبار على محك الواقع.

وفي ليبيا، تكرر تعهد السلطة الانتقالية باحترام حقوق المواطنين، والسيطرة على جميع الميليشيات، وإخضاع نفسها – السلطة – لسيادة القانون. لكن يبقى الوفاء بهذه الوعود صعباً، لا سيما أن القذافي حرم ليبيا متعمداً من مؤسسات الحكومة المتقدمة. حتى الآن أخفقت السلطات الجديدة في السيطرة على الكثير من الميليشيات صاحبة الرصيد الكبير من القوة والأسلحة. ورغم الخطط المعلنة عن محاكمة سيف الإسلام القذافي – نجل الزعيم السابق المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية – فلم تقم الحكومة الليبية بعد ببناء نظام عدالة جنائية قادر على الوفاء بمتطلبات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالمحاكمة العادلة.

أما مصر، أكبر دول المنطقة وقائدتها منذ زمن طويل، فعليها أن تتجاوز الانقسامات الداخلية الكثيفة بين ثلاث جماعات أساسية: الجيش الذي رغم سخط الجماهير العريضة منه ما زال في الحُكم بعد أن حل محل مبارك، ومجموعة العلمانيين من اليساريين والليبراليين الذين ظهروا بقوة على المشهد في ميدان التحرير، ومجموعة الإسلاميين الذين انضموا في لحظات فارقة للمظاهرات بأعداد كبيرة ثم ظهروا بعد ذلك كقوة سياسية مهيمنة. وعند نقاط مفصلية هامة، رأت كل مجموعة من هذه المجموعات الثلاث في المجموعتين الآخريين حليفاً أو خصماً محتملاً.

الجيش – بضغوط تُمارس عليه كي يتخلى عن السلطة – رأى في بعض الأحيان أن الإسلاميين بحُكم توجههم الاجتماعي أقل رغبة من الليبراليين في تحدي حكم الجيش لنفسه أو التدقيق في ميزانية المؤسسة العسكرية الهائلة ومصالحها التجارية الواسعة. الليبراليون تطلعوا (بشكل غير ليبرالي) إلى الجيش كي يطبق قيوداً على الإسلام السياسي، بينما انضموا للإسلاميين في محاولة لخلع الحكم العسكري. الإسلاميون – الذين لا يثقون في الجيش بعد عقود من القمع – يأملون في يساعدهم الليبراليون في الانتقال إلى الديمقراطية، وفي الوقت نفسه يختلفون مع الليبراليين في جملة من قضايا الحريات الاجتماعية. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن الإسلاميين انقسموا حول تفسيرهم للشريعة ودور الإسلام الذي يتصورونه في حكم البلاد. ما زال من غير الواضح على الإطلاق كيف سيتم حل هذه العقدة الصعبة.

ثاني مجموعات الدول العربية: سوريا واليمن والبحرين، ما زالت غارقة في صراعات بين الحكومات المسيئة والمعارضة التي تطالب بالديمقراطية. السوريون أبدوا شجاعة فائقة، وخرجوا للشوارع للتظاهر كثيراً رغم سيطرة قوات الأمن التي كثيراً ما ردت على التظاهر بالقوة المميتة. تظاهرات اليمن السلمية في الأغلب الأعم شهدت في حالات كثيرة نزاعات مسلحة بين فصائل النخبة المتنافسة، ومن الصعب التنبؤ بما إذا كان اتفاق الخروج الآمن الذي وقعه الرئيس صالح هو خطوة نحو الإصلاح الحقيقي. أما حُكام البحرين – بدعم من قوات الأمن من السعودية – فقد استخدموا باقة من الأدوات القمعية: القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين، والتعذيب والمعاملة السيئة، والمحاكمات غير العادلة، وفصل العمال من العمل والطلاب من الجامعات. لكن لم تنجح هذه الإجراءات إلا في تكريس انقسام الشعب، والكثيرون منه يعدون الأيام حتى تحين الفرصة القادمة للخروج والتظاهر. ما زال نجاح حركات التظاهر في هذه الدول من عدمه مسألة غير محسومة.

وأخيراً هناك نظم المنطقة الملكية والتي تفادت إلى حد بعيد – باستثناء البحرين – الانتفاضات واسعة النطاق. تتمتع هذه النظم بميزة أنها قادرة على تشتيت السخط الشعبي عن طريق تغيير الحكومات.. ولقد شهد الأردن تحديداً تبدل رؤساء الوزارة على مقعد رئيس الحكومة، ودون أي مساس بالملكية. بعض النظم الملكية – في المغرب والكويت وقطر – بدأت تجرب مسألة منح سلطات محدودة لمجالس نيابية منتخبة، مع السيطرة على أهم أدوات السلطة. بعض دول الخليج حاولت شراء السلم الاجتماعي عن طريق رفع الرواتب وزيادة الامتيازات للسكان. هذه الأساليب – مقترنة في بعض الأحيان بجرعة ثقيلة من القمع – أدت إلى تشتت الاحتجاجات واسعة النطاق.

لكن السلم الاجتماعي قد يكون قصير الأجل. السعودية على سبيل المثال تتوفر فيها عناصر حركتها الربيعية الخاصة بها: قيادة هرمة وشعب شاب غير راضٍ. (يمكن قول الشيء نفسه على الجزائر غير الملكية التي قمعت مظاهراتها المحدودة في عام 2011). الأسرة الحاكمة في السعودية كانت حتى الآن ماهرة في الحفاظ على حكمها، إما بتوزيع نقود النفط أو التضخيم من المخاوف الطائفية.. لكن كل هذا لن يؤدي لما هو أكثر من تأجيل المصير الحتمي.

دور فعال للمجتمع الدولي

كيف إذن يتعين على المجتمع الدولي التعاطي مع هذا المشهد المعقد والمتباين؟ قبل الخروج بوصفات للحل، فلابد أولاً من إبداء شيء من التواضع. ثورات الربيع العربي كانت ذاتية، اندلعت من الداخل، وهي إنجاز مواطني تلك البلاد أولاً وقبل أي شيء. وقد كان للقوى الخارجية بعض التأثير، لكن في أغلب الحالات اقتصر التأثير على الهامش.

إن رد فعل الفاعلين الخارجيين قد يكون هاماً، وأحياناً ما يرجح كفة على كفة. تخلي الجامعة العربية عن القذافي مع فتح قواته النار على المتظاهرين في طرابلس وتهديده بمذبحة في بنغازي مهد الطريق أمام مجلس الأمن لحماية المدنيين. الضغوط الأمريكية – بتعزيز من مساعدات كبيرة مقدمة لمصر – ساعدت في إقناع المؤسسة العسكرية المصرية في لحظة مبكرة من الثورة بحماية متظاهري ميدان التحرير من هجمات الشرطة ومؤيدي مبارك. والعقوبات الاقتصادية الفردية على النخبة السورية كانت واحدة من أفضل الفرص لإقناع عناصر هذه النخبة بالافتراق عن استراتيجية قمع الأسد الوحشية.

مع نظر المجتمع الدولي إلى الأمام إذن – من أجل دعم حكومات ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان – فعليه أن يتبنى منهجاً أكثر استناداً إلى الحقوق، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكثر مما كان يفعل في الماضي. هذا يشمل بالأساس الانحياز الواضح للمُصلحين الديمقراطيين حتى ولو كان الثمن هو التخلي عن الأصدقاء المستبدين. لا عذر هنالك لأية حكومة أن تتسامح مع القمع القاتل للأسد، وأن تغمض عينيها عن حملة قمع البحرين المنهجية، أو أن تعفي الملوك الآخرين من ضغوط الإصلاح. جميع الحكام المستبدين يحتاجون للكف عن استخدام القمع في الدفاع عن سلطتهم وامتيازاتهم.

هذا الدعم المستند لحقوق الإنسان المقدم للمتظاهرين يمكن أن يكون أيضاً ذات أثر إيجابي على الحكومات الجديدة التي يسعى هؤلاء المتظاهرون لتشكيلها. الثورة قد تُعتبر تجربة شاقة، وتفتح احتمالات لم يفكر فيها أحد، بالنسبة للأغلبية التي خرجت تطالب بالسيطرة على مصيرها. لكن على الثوار أن يقبلوا الضوابط الخاصة بحكم الأغلبية والتي تمليها حقوق الإنسان، لا سيما ما يتعلق بحقوق الأقليات، سواء كانت سياسية أو دينية أو عرقية أو اجتماعية.

يمكن أن يؤدي الحماس الثوري إلى انتقام بلا محاكمات، أو فرض مناهج فكرية جديدة. استمرار المصاعب الاقتصادية قد يؤدي إلى تبني منهج “كبش الفداء” مع بعض الشخصيات وانحسار هامش التسامح. التأكيد الدولي على أهمية احترام حقوق جميع المواطنين يمكن أن يساعد على ضمان ظهور نظم ديمقراطية حقيقية. وربط المساعدات الاقتصادية باحترام هذه الحقوق، كما ربط الاتحاد الأوروبي انضمام دول أوروبا الشرقية باحترامها للحقوق، يمكن أن يساعد على توجيه الحكومات الجديدة نحو اتجاهات احترام الحقوق.

ومن نفس المنطلق، على المجتمع الدولي أيضاً أن يتصالح مع الإسلام السياسي وقت أن يكون الإسلام السياسي هو ما تفضله الأغلبية. الأحزاب السياسية تتمتع بجماهيرية حقيقية في أغلب مناطق العالم العربي، السبب يعود جزئياً لأن الكثير من العرب رأوا أن الإسلام السياسي “ضد” الحكم المستبد، لأن الأحزاب الإسلامية بشكل عام أحسنت تمييز نفسها من خلال برامج الخدمات الاجتماعية، وهو ما لم توفره الدولة الفاسدة التي لا تخدم إلا نفسها، والسبب جزئياً لأن الإسلاميين يتمتعون بمزايا تنظيمية لم تتوفر لنظرائهم من الأطراف العلمانية التي شاركت الإسلاميين التعرض لنفس القمع، وجزء من السبب لأن الإسلام السياسي يعكس القيم المحافظة والدينية للكثير من الناس في المنطقة. تجاهل هذه الشعبية يعني انتهاك مبادئ الديمقراطية.

الأصل أن، كلما ظهرت حكومات إسلامية التوجه، على المجتمع الدولي أن يركز على تشجيع هذه الحكومات والضغط عليها كي تحترم الحقوق الأساسية، مثلما يحدث مع الأحزاب التي ترفع لواء المسيحية، والحكومات الأوروبية المُطالبة بالشيء نفسه. التعامل مع الإسلام السياسي ليس بالضرورة رفض حقوق الإنسان، كما ظهر في الهوة السحيقة بين الآراء التقييدية لبعض السلفيين وغيرهم أصحاب التفسيرات الأكثر تقدمية للإسلام مثل راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي. من المهم الاحتفاء بالعناصر الخاصة باحترام حقوق الإنسان في الإسلام السياسي، مع التأكيد على رفض القمع باسم الإسلام. طالما تحترم الحكومات المنتخبة الحقوق الأساسية، فهي تستحق الدعم من المجتمع الدولي، بغض النظر عن آرائها السياسية أو الدينية.

السعي لحرية التعبير

الحق في حرية التعبير يحتاج بدوره إلى “دفاع” متسق. لم تتحقق الثورات العربية إلا مع ظهور مجتمع مدني قادر على تنظيم نفسه، واستخدام الإنترنت، وبناء الغضب الشعبي عن طريق مراوغة احتكار الدولة لنشر المعلومات. القنوات الفضائية – وفي صدارتها الجزيرة – لعبت بدورها دوراً هاماً في حشد الغضب الشعبي على القمع الوحشي الذي تم بثه بشكل منتظم على أثير المنطقة. ومثلما يتعين الاستمرار في رعاية المجتمع المدني، فمن الضروري الدفاع بقوة عن وسيط الاتصال الأساسي هذا، حتى عندما تُرى رسالته على أنها “معادية للغرب”.

الجبهة الأحدث في معركة حرية التعبير هي شبكات التواصل الاجتماعي. رغم أنها تقتصر على نخبة متصلة بالتكنولوجيا، وتفوقها أهمية تقنيات أكثر انتشاراً مثل محطات التلفزة الفضائية والهواتف النقالة، فإن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مبكراً وهاماً، إذ سمحت لحركات بلا قيادات واضحة بحشد الدعم التدريجي، مع إقدام المشاركين فيها على ما فعلوا رغم خطر التعرف إليهم (على سبيل المثال، بإبداء الدعم للحركة على الفيس بوك) دون المشاركة بالضرورة في تظاهرات الشوارع، إلى أن ظهر إحساس كافي بالأمان مع كثرة الأعداد. شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر ساعدت أيضاً المتظاهرين في التواصل مع بعضهم البعض ومع العالم، بشأن القمع السياسي وأساليب التغلب عليه. استخدم النشطاء موقع اليوتيوب في نشر مقاطع فيديو تم تصويرها بالهواتف النقالة، عن أعمال الجيش والشرطة الوحشية.

لكن شبكات التواصل الاجتماعي قد تعتبر أيضاً وسيلة لمراقبة وقمع المعارضة. كانت هذه هي وصفة الرئيس الأسد عندما سمح بدخول الفيس بوك واليوتيوب إلى سوريا في ذروة الثورة المصرية. كان رهانه على أن شرطته السرية قادرة على اختراق مستخدمي هذه المواقع ورصدهم، وكان رهاناً خاطئاً، لكن هناك بلدان أخرى في المنطقة وخارجها ما زالت تحاول الحد من التهديدات السياسية التي تفرضها هذه الوسائط الاجتماعية، باستخدام تقنيات غربية في أغلب الحالات.

الرابح في لعبة القط والفأر هذه بين الرقيب والمستخدم، المراقب القمعي والمتظاهر المُطالب بالحرية، ما زال لم يُحدد بعد. مطلوب معايير دولية قوية لتحسين الحماية المكفولة لحرية وخصوصية مستخدمي الإنترنت. وعلى الشركات الدولية أن تمنع بيع المعدات أو المعرفة لحكومات في المنطقة العربية وخارجها، تسمح لهذه الحكومات بالتجسس على المواطنين العاديين أو قمعهم.

التواطؤ في التعذيب

حتى سبل الرقابة والسيطرة الأشد لا يمكنها منع بعض نسيم الحرية من دخول الفضاء العام، وكان رد فعل قوات الأمن في المنطقة على طول الخط هو التعذيب. من حيث المبدأ، يعارض المجتمع الدولي التعذيب بكل قوة، كما يظهر ذلك في عدد من المواثيق الدولية التي تحظره بلا أي استثناء. لكن  مكافحة الإرهاب والإسلام السياسي أدت إلى تزايد تسامح المجتمع الدولي مع التعذيب والتواطؤ فيه في بعض الحالات. بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول لم تكتف إدارة بوش باستخدام التعذيب بنفسها ومساعدة حلفاء عدة لها عليه، بل أيضاً أرسلت مشتبهين بالإرهاب للاستجواب لدى قوات أمن المنطقة العربية، رغم استخدامها المكثف للتعذيب. هذا التواطؤ الذي لا عُذر له كان سابقة خطيرة، إذ عزز من ممارسات أجهزة أمن المنطقة الأسوأ، وفي الوقت نفسه أضعف من مصداقية بعض الاحتجاجات من الحين للآخر من طرف الغرب.

أمرت إدارة أوباما بوضع حد لهذا التواطؤ في التعذيب لكنها رفضت التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين الأمريكيين المسؤولين عنه. الحسبة السياسية قصيرة المدى وراء هذا الإسقاط للواجبات هو المخاطرة بظهور تبعات طويلة المدى، بإرسال رسالة مفادها أن التعذيب خيار سياسي وليس جريمة. الحكومة البريطانية قامت على الاقل بالتصريح بتحقيق في تواطؤ بريطانيا في التعذيب في بلدان أخرى، لكن حتى الآن يخضع التحقيق لقواعد السرية مما يعني احتمال ضعيف بالتحقيق النزيه.

إن سياسة الغرب في الكيل بمكيالين تجاه التعذيب في المنطقة تظهر أقوى ما تظهر في استخدام “مذكرة التفاهم” أو “الضمانات الدبلوماسية” لتبرير إرسال المشتبهين بالإرهاب إلى أجهزة الأمن التي يُرجح أنها ستعذبهم. وثائق الاستخبارات المركزية (السي آي أيه) التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش في مقار المخابرات الليبية يظهر منها كيف تم استخدام هذه الآليات. تعاونت بريطانيا وأمريكا بإرسال مشتبهين مقبوض عليهم في الخارج للاستجواب طرف أجهزة المخابرات الليبية رغم شهرتها باستخدام التعذيب. لكن السي آي أيه سعت للحصول على ضمانات من الليبيين بعدم الإساءة للمشتبهين. هذه الضمانات لم تكن أكثر من ورقة التوت. نظراً لالتفاف الحكومة الليبية السابقة على التزاماتها التعاهدية الدولية بحظر التعذيب، كما أفادت بذلك الحكومة الأمريكية نفسها في بعض الحالات، فليس ثمة سبب لتوقع احترام السلطة الليبية السابقة لوعد هادئ بين الدبلوماسيين أو أجهزة المخابرات بعدم استخدام التعذيب. إنه لمما يسهم إسهاماً قوياً في وضع حد للتعذيب في العالم العربي أن يتوخى الغرب الصراحة بشأن تواطئه، وأن يعاقب المسؤولين عن جريمة الأمر بتيسير التعذيب، وأن يعلن وضع حد لاستخدام الضمانات الدبلوماسية في تبرير إرسال المشتبهين إلى بلدان تعرضهم للتعذيب.

يجب وضع حد للإفلات من العقاب

الحركات الثورية تحتاج للمساعدة في بناء مؤسسات الحكم التي تركها المستبدون عن عمد ضعيفة واهنة، وعلى رأس هذه المؤسسات مؤسسة العدالة، من أجل إخضاع جميع ممثلي الدولة لسيادة القانون. إلى أن يقر في وجدان مسؤولي الدولة وأجهزة الأمن أن سوء السلوك سيؤدي بهم إلى المحكمة، فإن إغراء اللجوء لفساد النظم السابقة وإساءاتها هو إغراء تصعب مقاومته.

إلا أنه فيما يتعلق بالعدالة الدولية على الأقل، فما زال المجتمع الدولي يتصرف أحياناً وكأن النظم المنتقلة نحو الديمقراطية لن تتقدم إلا بإخفاء انتهاكات الماضي تحت البساط. كما ظهر من الثورات العربية، فإن سابقة الغفلات من العقاب لا يسهل نسيانها، وتزيد من احتمال استمرار العادات السيئة. الملاحقات القضائية لا تعرقل التغير الديمقراطي كما يتخيل البعض أحياناً.

عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات القبض على القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس مخابراته عبد الله السنوسي، قال البعض بأن هذا العمل العدلي يثبط من عزم القذافي على التنازل عن السلطة. لكن مثله مثل أغلب الطغاة، كان القذافي واضحاً حتى قبل ظهور مذكرات المحكمة، من أنه ينوي البقاء في السلطة حتى النهاية المُرّة، مع ابنه سيف الإسلام الذي راح يتعهد بالقتال “حتى آخر رجل”. لو كان لمذكرات الاعتقال أي أثر، فقد أسرعت من سقوط القذافي، إذ أوضحت للمتعاونين معه أن لا مستقبل سياسي له وأن الانشقاق أفضل وأسلم.

لكن القذافي كان ديكتاتوراً سهل التخلي عنه ومحاسبته. كان المجتمع الدولي أقل التزاماً بمبادئ حقوق الإنسان في حالة علي عبد الله صالح رئيس اليمن. في مبادرة أطلقتها دول مجلس التعاون الخليجي دون أي اعتراض رسمي من مجلس الأمن، مُنح صالح وكبار المسؤولين حصانة شاملة من الملاحقة القضائية مقابل التخلي عن السلطة. الأثر السيئ لهذه المبادرة كان منح حكومة صالح الضوء الأخضر في استمرار قتل المتظاهرين دون ملاقاة تبعات واضحة. حتى عندما وافق صالح على التخلي عن الرئاسة، استمر مناصروه في القتل، وهم يعرفون أنهم إذا نجحوا في التشبث بالسلطة، فالواضح أنهم لن يحاكموا أنفسهم، وهم على ثقة أنهم إذا فشلوا، فسوف يقول مجلس تعاون الخليج أنهم لن يتعرضوا للملاحقة القضائية بدورهم.

كما لم يكن المجتمع الدولي أكثر التزاماً بمبادئ حقوق الإنسان في تعاطيه مع العدالة في أنحاء المنطقة الأخرى. وقد رفضت كل من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا دعم التصريح للمحكمة الجنائية الدولية بالتعامل مع سوريا، رغم معدلات القتل العالية التي فاقت ليبيا وقت إحالة الوضع فيها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأصر الغرب على إعفاءه المستمر لإسرائيل من مطالب العدالة، وأحدث الأمثلة هي إصراره على أنه إذا تم قبول السلطة الفلسطينية كدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، فعليها ألا تسعى للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. بل إن الولايات المتحدة عارضت طلب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن يحيل مجلس الأمن الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية خوفاً من أن تُستخدم هذه السابقة ضد إسرائيل.

دور البرازيل والهند وجنوب أفريقيا

رد الفعل الدولي على الثورات العربية أظهر ضرورة بناء تحالفات واسعة للدفاع عن حقوق الإنسان. الضغوط متعددة الأطراف من أجل الإصلاح تؤكد على القيم الحقوقية، كونها عالمية وليست أجندة ضيقة لمنطقة بعينها. بعيداً عن التدخل العسكري المتنازع حوله في ليبيا، مارس المجتمع الدولي أقوى الضغوط على القذافي عندما اتحد. عندما انضمت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا بدعم من الجامعة العربية إلى القوى الغربية الكبرى في إحالة ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية فصعب على الصين أو روسيا الوقوف في موقف منعزل في المعارضة. النتيجة كانت إجراء تاريخي صدر بالإجماع من مجلس الأمن، فأرسل للقذافي رسالة قوية تجاهلها وعرض نفسه بنفسه للخطر.

المؤسف أنه عندما حان الدور على حماية الشعب السوري، تراجعت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا إلى موقفها المعارض لضغوط حقوق الإنسان ورفضت دعم مجلس الأمن حتى مع قتل حكومة الأسد لآلاف المتظاهرين. في الجمعية العامة الأضعف حالاً دعمت البرازيل قراراً هاماً بشأن سوريا، بينما امتنعت الهند وجنوب أفريقيا عن التصويت. كما سبق الذكر، كان العذر الأول لهذه الدول لعدم دعم مجلس الأمن هو تمادي الناتو المزعوم في ليبيا، عندما – على حد قولهم – تجاوز الناتو ولايته الخاصة بحماية المدنيين وتبنى أجندة تغيير النظام. لكن لا يجب أن يفسر أحد قرار مجلس الأمن الفضفاض عن سوريا الذي رفضوا دعمه بأنه تصريح بالقوة العسكرية. إن ما فعلته هذه الدول هو أنها طلبت من الشعب السوري أن يدفع ثمن سوء سلوك الناتو المزعوم في ليبيا. اللامبالاة بمصاب السوريين أمر مؤسف بشكل خاص إذ يأتي من بلدان تتمتع بحكومات ديمقراطية قوية، وفي الماضي عانت بدورها من لامبالاة الدول الأخرى إزاء نضالها من أجل الحرية.

الدور التركي

لعل الدولة صاحبة الحضور الأهم في المنطقة هي تركيا. رغم تاريخها المنفصل، فما زالت مثال قوي على دولة ذات حكومة محافظة دينياً لم تستخدم الإسلام كذريعة لتقويض الحقوق الأساسية. لقد استثمرت تركيا صورتها المتزايدة كقوة سياسية جديدة في العالم العربي. وقامت تركيا – أكثر من جاراتها من الدول العربية – برفض القتل السياسي في سوريا، ودعت إلى التغير الديمقراطي في مصر، وعارضت حصار إسرائيل العقابي على غزة.

إلا أن تركيا تواجه عدة تحديات، إذا هي أرادت أن ترقى لمستوى ما يمكنها تحقيقه في مجال حقوق الإنسان. هل تستخدم نفوذها المتزايد في عدة ساحات لمعارضة رأي الهند والبرازيل وجنوب افريقيا الذي عفى عليه الزمن، ومفاده أنه من الإمبريالية الوقوف إلى جانب شعوب تخاطر بحياتها من أجل الاحتجاج على قمع حكوماتها لها؟ هل تضغط تركيا من أجل التغيير الديمقراطي ليس فقط في أوساط الثورات العربية بل ايضاً في إيران التي سحقت ثورتها الخضراء في عام 2009 وفي بلدان وسط آسيا التي ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتعاني من القمع؟  وهل ستنظف تركيا سجلها الحقوقي السيئ داخلياً – ويشمل القيود المستمرة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات ونظام العدالة الجنائية المعيب وإساءة معاملة الأقلية الكردية منذ زمن طويل حتى تكون نصيراً حقيقياً لحقوق الإنسان في الخارج؟ يمكن لتركيا إحداث اختلاف إيجابي على أجندة حقوق الإنسان في المنطقة، إذا اتخذ قادتها قرارات جريئة داخلياً وخارجياً من أجل هذه القضية.

إنها مسؤولية عالمية

لقد شهد العام الماضي ثورات في العالم العربي ما كان ليتخيلها الكثيرون. هذه الثورات تمثل فرصاً ممتازة لرفع البلاء عن شعوب استفادت حتى الآن أقل القليل من امتيازات حقوق الإنسان العالمية على مدار السنوات الخمسين الأخيرة. لكن نظراً للقوى العنيفة التي تقاوم التقدم، فمن الخطأ ترك مصير العالم العربي فقط في أيدي من يرفعون السلاح. للمجتمع الدولي دور هام يلعبه في المساعدة في ظهور نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان في شتى أنحاء المنطقة.

حتى الآن لم يتم لعب هذا الدور إلا بشكل انتقائي. ما زالت المصالح قصيرة الأجل تسبق في أحيان كثيرة رد الفعل الأكثر استناداً لحقوق الإنسان والأكثر مساعدة للشعوب. في نهاية المطاف، على المجتمع الدولي أن يقرر إلى جان بمن يقف، وإن كانت قيمه وحقوقه ومطامحه لأجل الفرد تفوق وعود وإغراءات الطاغية. ونحن نقترب من الذكرى السنوية الأولى لثورات الربيع العربي، فإن بإمكان المجتمع الدولي المساعدة في تحديد من سينتصر، الحكومات القمعية أم المتظاهرين الساعين لحياة أفضل، وكذلك مساعدة المتظاهرين على أن تضم رؤاهم احترام حقوقهم وحقوق جميع المواطنين. إنها مسؤولية عالمية… مسؤولية المساعدة في الخروج بختام إيجابي لجهود الشعوب العربية الشجاعة على مسار مطالبتها بحقوقها، وضمان أنه لن يعقب كل نظام مستبد يسقط، نظام مستبد جديد.

 المصدر:

التعليقات على حان وقت التخلي عن الطغاة والتمسك بحقوق الإنسان: رد الفعل الدولي على الربيع العربي مغلقة Posted in ثقافة حقوقية

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – أساليب الاحتجاج والإقناع (1)




سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف)
الحلقة الثانية
أساليب الاحتجاج والإقناع (1)


إعداد

أحمد عبد الحكيـم           د/ هشـام مرسي          م/ وائـل عـادل

14/7/2007

حول أهداف أساليب الاحتجاج والإقناع

1- التصريحات والخطب.

2- رسائل المقاومة أو الدعم.

3- المواقع الإلكرتونية.

4- الهاتف الخلوي.

5- الشعارات.

إن من أهم معالم التحضر في المجتمع وجود آليات للتعبير عن الآراء المختلفة لشرائحه المتعددة، وكلما ارتقى المجتمع في السلم الحضاري كلما أوجد سبلاً لطرح الأفكار والاستفادة القصوى منها. فإن لم توجد في المجتمع مثل هذه الآليات فإن وسائل الإقناع والاحتجاج تتحول إلى أسلحة في وجه الطرف الرافض للقيم الحضارية والإنسانية في التعبير. وإن الدراسة المتعمقة لكثير من التجارب الإنسانية على مر العصور تشير إلى أن اقتناع المجتمع بأهمية حقه في التعبير وصلابة إرادته في المحافظة على هذا الحق الإنساني، تمثل الخطوة الأولى في انحسار الديكتاتوريات عن وجه المعمورة.[1]

ويشمل الإقناع والاحتجاج اللاعنيف الكثير من الأعمال الرمزية التي تظهر الاحتجاج والمعارضة لأمر ما، كالإدانة الأخلاقية لقضية اجتماعية أو سياسية مثلاً.

حول أهداف أساليب الاحتجاج والإقناع:

وتتنوع أهداف وسائل الاحتجاج والإقناع، نذكر منها على سبيل المثال:


مدى فاعلية هذه المجموعة من الأسلحة

ومن الأهداف السابقة نرى أن أساليب الاحتجاج والإقناع ليست أساليب لحسم الصراعات مع الديكتاتوريات، بمعنى أن تأثيرها لا يتعدى التعبير عن رأي ووجهة نظر مستخدميها أو محاولة إقناع الآخرين لاتخاذ موقف ما، فهي أسلحة ليست مصممة لحسم الصراعات، لكنها وسائل داعمة إذا ما دمجت بوسائل اللاتعاون والتدخل[2]. فهي تُستخدم منفردة في حالة اكتفاء المعارضة بالتعبير عن رأيها، أو الحصول على مكاسب في بعض الصراعات غير الحادة كالمطالبة بارتفاع الأجور، كما تسبق أو تتلازم مع آليات عدم التعاون أو التدخل اللاعنيف في حالات الحسم في الصراعات الحادة.

وفي بعض الظروف السياسية تكون بعض أساليب الاحتجاج اللاعنيف – مثل المسيرات مثلاً – غير قانونية، وفي هذه الحالة فإن استخدام مثل هذا الأسلوب في هذا الظرف السياسي يتحول به من أن يوصف بأنه أسلوب احتجاج إلى أن يوصف بأنه أحد أشكال أعمال اللاتعاون الرمزية، الهادفة إلى اثبات إمكانية الفعل، وتحفيز شريحة أكبر للمارسة الحق في الاحتجاج.

كذلك يعتمد تأثير أساليب الاحتجاج اللاعنيف على قدرتها على تحفيز الجماهير لاتخاذ موقف ما كالمشاركة في مسيرة أو حفل احتجاجي، وعلى ذلك فاستخدام أحد الأساليب التي يمكن وصفها بالشائعة في مجتمع ما قد يكون أقل تأثيراً إن استخدم في مجتمع آخر يندر فيه استخدام هذا الأسلوب أو لا يعرفه أو يستسيغه على الإطلاق، فاستنساخ الوسائل من المجتمعات الأخرى لا يجدي نفعاً في كل الأحوال، ففي بعض المجتمعات استُخدمت وسيلة التعري من الملابس للتعبير عن الاحتجاج وعدم الرضا،[3] وهو أسلوب لا يشجع الجماهير على المشاركة في كثير من المجتمعات الأخرى، بل يجعلها تنظر بازدراء إلى المحتجين.

كما أن قوة تأثير الأسلوب تختلف باختلاف الظروف السياسية، ففي الأنظمة الديكتاتورية التي يكون فيها الاحتجاج السلمي نادر الحدوث ومحفوف بالأخطار يكون هذا الاحتجاج أكثر إثارة وتأثيراً مما لو تم في الأنظمة الديمقراطية التي تشيع فيها أساليب الاحتجاج السلمية والتي لا تحمل في طياتها أي مخاطر أو عقوبات.

والآن نبدأ مع ترسانة أسلحة الاحتجاج والإقناع، وسنتناول كل سلاح كالتالي:

التعريف
الحد الأدنى للبدء
مرحلة الاستخدام
الاحتياجات
درجة التأثير
الأنواع

1- التصريحات والخطب

التعريف: التعبير اللفظي عن الرأي أو النوايا تجاه موقف ما، مثل تصريحات الأفراد أو المؤسسات.

الحد الأدنى للبدء: يمكن أن تبدأ بفرد ويمكن أن تقوم بها مجموعات أو مؤسسات أو حركات.

مرحلة الاستخدام: تستخدم بشكل دائم في جميع مراحل الصراع.

الاحتياجات:

·  شخصيات مفوهة مدربة على التعامل مع وسائل الإعلام ومخاطبة الجمهور الواسع.

·  وعي بالرسالة التي يتضمنها التصريح وتوقيتها ومدى النفع الذي ستعود به.

·  انتقاء جيد لمفردات الخطاب ليعكس الشكل الحضاري للمقاومة.

درجة التأثير: تتوقف على عدة أمور من أهمها:

·  الموقف والوضع السياسي العام الذي تصدر فيه التصريحات، حيث تختلف درجة تأثيره بحسب حدة وخطورة القضية المطروحة، وموقف الدولة في التعامل معها، والمناخ العام الذي يصدر فيه كمناخ الحرية أو التضييق على سبيل المثال.

·  الشخص أو المجموعة أو المؤسسة التي أصدرت التصريح، فتصريح من شخصية مرموقة في المجتمع قد يؤثر في مسار الأحداث، أو يرفع معنويات المقاومة، وتصريح من حزب كبير له نفوذ يختلف عن تأثير تصريح من مجموعة عمل صغيرة.

·  طبيعة التصريح نفسه ومدى تأثيره على المستهدف منه سواء كان الجمهور أو النظام.

·  المخاطر الناتجة عن إصدار التصريح. فإن كانت تبعات التصريح هي التوقيف – على سبيل المثال – تزداد قيمته لدى المقاومة، حيث أنه يعبر عن التحدي السياسي.

 الأنواع:التصريحات المعدة: كالتصريحات والخطب المعدة سلفاً من قيادة المقاومة لإلقائها في الاحتفالات، أو المناسبات أو المؤتمرات الصحفية، “ففي فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وفي أحد المناسبات الدينية من عام 1942، تلا أساقفة تولوز وليونز بيانات احتجاجية ضد ترحيل اليهود، وفي السادس عشر من فبراير من عام 1941 تم تلاوة رسالة وعظية واحدة في أغلب منابر الوعظ النرويجية، كما تم توزيعها كمنشور مطبوع على مدى واسع، وهي رسالة احتجاجية ضد الخروقات الفاشية لمبادئ الحكومة”.[4]وليس بالضرورة أن يلقي مثل هذه الخطب شخصيات قيادية، بل قد يمارسها أفراد المقاومة في الميادين والشوارع والمقاهي ووسائل المواصلات حيث يديرون حواراً مع الجمهور من خلال إلقاء الكلمات في وسط ميدان عام مثلاً.

التصريحات التلقائية: وهي لم تعد سلفاً ولكنها تكون وليدة بعض المواقف غير المتوقعة، كأن تضطر مجموعة عمل للإدلاء بتصريح صحفي أثناء قمع الشرطة للمتظاهرين.



2- رسائل المقاومة أو الدعمالتعريف: هي الرسائل التي توجهها المقاومة (حركات وجماهير) إلى الجهات المعنية لتوضيح وجهة نظر سياسية أو لعرض مطالب أو شكاوى محددة أو لإعلان عن نشاط ما.الحد الأدنى للبدء: يمكن أن تبدأ بفرد ويفضل أن تقوم بها مجموعات أو مؤسسات أو حركات.

مرحلة االاستخدام: من بداية الصراع إلى نهايته.

الاحتياجات:

·  وعي بالمضمون الذي ستوصله الرسالة.

·  انتقاء جيد لمفردات الخطاب ليعكس الشكل الحضاري للمقاومة.

·  فهم دقيق للواقع والأهداف أو المطالب المحددة من الرسالة.

·  القدرة على إقناع الآخرين بالأفكار وبالأخص في حالة الرسائل الموقعة.

درجة التأثير: عادة ما تكتسب هذه الرسائل أهميتها من كونها تعبير عن مواقف الموقعين عليها، أو بسبب عدد الأفراد الموقعين، أو عدد الذين يرسلون رسائل متشابهة تحمل نفس المضمون.

الأنواع:

الرسائل الشخصية: التي ترسل إلى أشخاص أو مؤسسات لتوضيح وجهة نظرهم أو مطالبتهم باتخاذ قرار ما. وقد تكون متشابهة أو متطابقة تماماً مع رسائل يرسلها أناس كثيرون، ولا تصل هذه الرسائل إلا لأفراد بعينهم، ولا يطلع عليها الجمهور.

الرسائل الشخصية المفتوحة: وتكون موجهة إلى شخص أو مؤسسة بعينها، لكنها ليست محجوبة عن الجمهور، فهي تتعمد التأثير – بنفس القدر أو بشكل جزئي – في الجمهور العام الذي يقرأها.

الرسائل الموقعة: كتلك الرسائل الموجه إلى الجمهور العام أو إلى كل من الخصم والجمهور والممهور بتوقيعات الداعمين، وهذه التوقيعات قد تكون لأشخاص من منظمات أو مهن أو حرف محددة، كتوقيع عمال المصانع على القيام بإضراب في بولندا 1980،[5] وقد تكون لأشخاص من قطاعات مختلفة من المجتمع. وفي  النرويج “عام 1942 أرسلت عشرات الآلاف من رسائل الاحتجاج الموقعة من قبل أولياء أمور الطلاب إلى الإدارة التعليمية. بالإضافة إلى الرسائل الفردية التي كتبها المدرسون النرويجيون وأرسلوها إلى الكنائس وإلى الإدارة التعليمية رافضين الانضمام إلى منظمة المدرسين النازيين الجديدة.”[6]

العرائض: وتكون موجهة للخصم كالتقدم بمجموعة من المطالب. كما حدث في فنلندا، حين وقع خمسة آلاف فنلندي عريضة تحتج على قانون روسي ينص على تجنيد الفنلنديين في الجيش الروسي.[7]

ويمكن إرسال جميع أنواع الرسائل السابقة عبر الهاتف المحمول أو البريد الإلكرتوني ومواقع الإنترنت.

3- المواقع الإلكرتونية

التعريف: مواقع شبكة الإنرنت التي تعبر عن المقاومة سواء كانت ملكاً لأفراد أو حركات.

الحد الأدنى للبدء: فرد واحد.

مرحلة البدء: غالباً ما تكون ضروية في بداية الصراع ثم يستمر استخدام المقاومة لها.

الاحتياجات: مهارة التعامل مع شبكة الإنترنت

درجة التأثير: تؤثر على قطاع كبير من مستخدمي الإنترنت، وترفع سقف التحدي السياسي، حيث تشجع الآخرين على أن يعترضوا عبر الإنترنت، وتمثل وسيلة تواصل جيدة بين المقاومة في الداخل والخارج.

الأنواع:

مواقع شخصية: تعبر عن آراء أشخاص

مواقع مؤسسات: وعادة ما تكون مواقع متخصصة مثل مواقع تقديم الدعم الفكري والإعلامي للمقاومة.

مواقع حركات: وهي المواقع الممثلة لحركات مقاومة وتعلن عبر موقعها عن آرائها ومواقفها وأنشطتها وتمثل منصة احتجاج لها.

4- رسائل  الهاتف الخلوي[8]

تعريف: وهو الهاتف المحمول حيث يمكن استخدامه في إرسال رسائل الإقناع أو الاحتجاج.

الحد الأدنى للبدء: فرد واحد

مرحلة الاستخدام: من بداية المقاومة.

الاحتياجات: توفر الهاتف الخلوي

درجة التأثير: يتتح توفر الهاتف المحمول لدى قطاعات كبيرة فرصة تدفق المعلومات بسهولة داخل المجتمع، حيث يصعب حصار الرسائل، كما أن إرسال رسالة من الهاتف يعد نشاطاً لا يتطالب جهداً كبيراً ومن ثم يسهل استخدامه.

الأنواع:

رسائل للجمهور: وتكون موجهة  للجمهور العريض لنشر فكرة ما أو دفعه لاتخاذ موقف ما.

رسائل جمهور محدود: كأن تكون موجهة إلى قطاع محدد، مثل قطاع العمال، أو لمؤسسة بعينها. أو تعبر عن شكل احتجاجي عبر رسائل sms  التي ترسل للفضائيات لتظهر على الشاشة.

رسائل للخصم: حيث يمكن أن تستهدف هواتف الخصوم بتوصيل رسائل لهم تعبر عن موقف المعارضة أو رسائل احتجاجية، وقد تتحول هذه الوسيلة إلى مظاهرة إلكترونية عند زيادة عدد الرسائل.
5- الشعارت

تعريف: أشكال متنوعة من الرسومات أو العبارات التي تجذب انتباه الجمهور للدلالة على شيء محدد قد يعبر عن الحركة أو القضية أو وجهة النظر.

الحد الأدنى للبدء: يمكن أن تبدأ بفرد ويمكن أن تقوم بها مجموعات أو مؤسسات أو حركات.

مرحلة الاستخدام: تستخدم في المراحل الأولى وتستمر مع المقاومة حتى نهاية الصراع.

الاحتياجات:

·  مهارات في تحويل الأفكار إلى رموز وأشكال.

·  معرفة لغة الجمهور للعمل على جذبه. وفي حالة تنوع الجمهور تتنوع الشعارات.

درجة التأثير: تعتبر من الوسائل الرمزية المؤثرة بدرجة كبيرة في توصيل الأفكار ووجهات النظر والمعلومات للجمهور العريض. فلها جاذبية كبيرة لدى الجمهور، والتأثير فيه ودفعه لاتخاذ موقف إيجابي تريده المقاومة. كما أنه يعزز روح المقاومة.

الأنواع:

الشعارات المكتوبة والمنطوقة: كالتي تعبر عن هدف المقاومة مثل شعار حركة “أتبور” في صربيا في انتخابات عام 2000 “انتهى أمره” أي انتهى أمر ميلوسوفيتش.[9] وقد تكون نفس هذه الشعارات لفظية وتردد.

الرموز المرسومة والمطبوعة: مثل شعار قبضة اليد الذي كان يرمز إلى حركة المقاومة أتبور في صربيا عام 2000.[10] أو استخدام الألوان والدهانات على الحوائط، “ففي عام 1942 عندما كانت بولونيا محتلة من قبل الألمان، قامت مجموعة تسمى “الذئاب الصغيرة” بدهان الشاحنات والأتوبيسات ومساكن الألمان بعبارات تعلن استمرار المقاومة.”[11]لتوصيل رسالة رمزية.

وفي الهند من 1930 – 1931 كانت الأرصفة والشوارع تستخدم كألواح يدون عليها ملاحظات موجهة للكونجرس الوطني الهندي.[12]

وفي محطة القطارات في براغ زُينت مدخنة طويلة بعبارة “الصداقة.. لا الاحتلال”[13]

الرموز بالإشارة: مثل علامة النصر التي تعمل بأصابع اليد.

الكاريكاتيور: والذي يستخدم لإظهار قوة المقاومة، أو السخرية من الخصم، وقد استخدمت الحكومة الصربية هذا الأسلوب ضد حركة أتبور التي كانت تتلقى دعماً أمريكياً فاستخدمت الحكومة الكاريكاتيور لتظهر أن أتبور دمية أمريكية فرسمت على الجدران وزيرة خارجية أمريكا حينها وفي قبضتها حركة أتبور.[14]

_______________________

[1] أحمد عبد الحكيم، د. هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007م.

[2] إن استخدام أساليب الاحتجاج والإقناع على اعتبار أنها تحسم الصراعات مع الديكتاتوريات  وتحدث التغيير  يعد خطأ استراتيجياً، قد يودي بحياة الحركة المقاومة وهي في طفولتها وفي بداية حياتها.

[3] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

[4] نفس المرجع السابق

[5]  أحمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007، ص208

[6] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005.

[7]  نفس المصدر السابق

[8]  يمكن الرجوع في تفاصيل استخدام الهاتف الجوال إلى الدراسة التي أعدتها الأكاديمية بعنوان “المحمول… سلاح الحشد والمقاومة”.

[9] فيلم الإطاحة بطاغية في مكتبة الأفلام في موقع أكاديمية التغيير.

[10]  نفس المصدر السابق.

[11] Gene Sharp, The Politics of Nonviolent Action, Part Two, The Methods of Nonviolent Action, Extending Horizons Books, Porter Sargent publishers, II Beacon St., Boston, 8th edition 2005

[12] نفس المرجع السابق.

[13] نفس المرجع السابق.

[14] فيلم الإطاحة بطاغية في مكتبة الأفلام في موقع أكاديمية التغيير.

المراجع

Gene Sharp, The Politics of non-violent action. Boston: Porter sargent, 1973. Volume No:2

·  Per Herngren, PATH OF RESISTANCE.. THE PRACTICE OF CIVIL DISOBEDIENCE, Revised edition 2004.

أحمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف.. الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت، ط1، 2007

حمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حلقات العصيان المدني، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت، ط1، 2007
سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف)

المصدر
أكاديمية التغيير

التعليقات على سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – أساليب الاحتجاج والإقناع (1) مغلقة Posted in ثقافة حقوقية

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – خصائص وأنواع الأسلحة

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – الحلقة الأولىخصائص وأنواع الأسلحة

إعداد
أحمـــد عبد الحكيـــم           د/ هشـــــام مرســــي          م/وائـل عـادل

19/6/2007

تأتي سلسلة حلقات “أسلحة حرب اللاعنف” كدراسة لتكتيكات اللاعنف لتسليط الضوء على حجم الأسلحة المتوفرة لمواجهة الديكتاترويات بدون عنف، وقد انتشرت في عالمنا المعاصر العديد من الدراسات الخاصة بحرب اللاعنف، مثال ذلك ما كتبه جين شارب في هذا الموضوع[1]. وفي دراستنا هذه تم الجمع بين بعض الوسائل التي ذكرها جين شارب ووسائل أخرى تم استقراؤها من دراسة الحالات التي نجحت فيها المجتمعات من تحقيق أهدافها مستخدمة وسائل اللاعنف.

وهناك العديد من الوسائل التي يمكن إضافتها على ما تقدمه هذه الدراسة، فالأسلحة المذكورة هنا ليست على سبيل الحصر، بل الغرض منها توسيع المدارك، وتشجيع الخيال على إبداع أشكال جديدة تتناسب مع وسائل القرن الجديد، لمواجهة أي نظام دكتاتوري عنيف، خاصة مع التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات.

وسنتعرض في هذه الحلقة بشكل موجز لأهم خصائص هذه الأسلحة، وأنواعها، وضوابط استخدامها.

حول خصائص أسلحة اللاعنف

أولاً:   إنها تنطلق وفق رؤية استراتيجية للصراع وأطرافه وشكل التحول.

ثانياً:   إنها تستخدم عدم تكافؤ الأطراف لإفقاد الخصم العنيف توازنه.

ثالثاً:   تعتمد على الرمزية في العمل.

رابعا: إن تمام فاعليتها مرتبط بالبناء المضطرد لقدرة المجتمع.

خامسا: إنها تخاطب العقل  أولاً.

سادسا: إنها تمتاز بشكلها الحضاري.

سابعا: إن وسائلها تتنوع بين وسائل المطالبة وتنتهي بوسائل الحسم.

أولاً: الانطلاق من رؤية استراتيجية

تعمل حركة اللاعنف بطرق خاصة جداً يجب استيعابها، وتطبيقها بفاعلية. وهذه الطرق تنطلق من فرضيات عن طبيعة الصراع وطبيعة أطرافه وشكل المجتمع المنشود، ويجب على مستخدميها الوعي الشامل بمستوياتها الثلاثة، الفلسفة، والاستراتيجية، والتكتيك[2]. ولا تستخدم أسلحة حرب اللاعنف في المجتمعات الديمقراطية فحسب، بل استخدمت كذلك في المعارك غير المتكافئة بين الديكتاتوريات وأسلحتها القمعية، والمجتمعات وأسلحتها اللاعنيفة[3].

ثانياً: استثمار  المعركة غير المتكافئة

إن مواجهة أسلحة العنف بأسلحة اللاعنف يخلق موقفاً معقداً وحالة من عدم التكافؤ الاستراتيجي، فأحد الأطراف يعتمد النشاط اللاعنيف، والآخر يعتمد العنف. وتعتمد فرص نجاح اللاعنف على مدى التزام النشطاء بأسلوبهم الذي اختاروه، والتطبيق المحترف الواعي لوسائله، بحيث يرتد القمع العنيف على الخصم المعتدي[4]، ويفقد النظام الدكتاتوري توازنه السياسي، ويتكبد خسائر فادحة وتكاليف باهظة تفقد العنف فاعليته، وتعكس نتائجه، فحين يبلغ العنف منتهاه، ويستنفذ أعلى طاقاته، ويفشل في كسر إرادة المقاومة، ويظهر عجزه عن التحكم بعد أن استخدم آخر مافي جعبته، تبدأ هزيمته بانكسار إرادته، ثم تتخلخل منظومته عندما يتخلى عن قواته، ويبحث في صفوفه عن كبش الفداء لتبرير الجرائم التي ارتكبها في حق المجتمع، فيصل إلى مستوى التفكك، وعدم القدرة على الاستمرار.

ثالثاً: الرمزية في النشاط

وعلى نشطاء حركة اللاعنف كذلك أن يدركوا فلسفة الرمزية في النشاط[5]، وهي ببساطة تعني أن وظيفة الدولة لايقوم بها المجتمع، ووظيفة المجتمع لا تقوم بها جماعة ضغط أو حزب، ووظيفة الحزب لا تقوم بها مجموعة عمل أو أفراد. فعلى الفرد أن يقوم بعمل رمزي ليثبت للحزب والحركة إمكانية الفعل، وعلى الحزب والحركة القيام بعمل رمزي ليثبت للدولة إمكانية الفعل.

وتستخدم الرمزية في مراحل الصراع الأولى، والتي يتفوق فيها النظام الدكتاتوري استراتيجياً، فيركز النشطاء على القيام بالأعمال الرمزية الموجهة، التي تهدف إلى تأكيد إمكانية الفعل، وتوجيه رسائل للشريحة المعنية من المجتمع لتدعوها إلى القيام بواجبها، الذي يمثل لبنة أساسية في بناء قدرة المجتمع على الكفاح.

رابعاً: بناء القدرة

وهو أحد أهم أهداف حملات اللاعنف، فإذا ما بدأت حركة المقاومة من ضعف استراتيجي في مقابل قوة النظام الديكتاتوري، فإن زيادة قوتها يعتمد على بناء قدرة المجتمع على الفعل عبر استخدام النشاط كوسيلة للاحتكاك بالجماهير وإدارة حوار معها لإقناعها بضرورة المشاركة في الصراع لبناء المجتمع المستقبلي القوي[6]. وأول درجات هذا البناء هو تحرير العقل من عقدة الخوف والعنف.

خامساً: تحرير العقول

كما تسعى الأنشطة بالدرجة الأولى إلى مخاطبة العقل، وتحريره من أسر الخوف والعنف على حد سواء، وإقناعه عملياً أن ثمة وسائل حضارية فعالة استخدمت تاريخياً للتغلب على الديكتاتوريات، وأن هناك خياراً ثالثاً غير الاستسلام أو اللجوء إلى العنف، وحرب تحرير العقول تتميز بالديناميكية التي تخضع فيها العقول لكل التأثيرات، فإما أن يخوفها وعيد الخصم وعنفه، فتركن لليأس، أو تستميلها وعوده بالرخاء، وإما أن يستهويها المستقبل والشكل الحضاري الذي تؤهلها له حركة المجتمع اللاعنيف القادر على بناء المستقبل.

سادساً: أساليب حرب اللاعنف حضارية

ومن هنا كان اعتماد أسلحة حرب اللاعنف على المظهر الحضاري الذي يؤثر في قطاعات واسعة من الجماهير، ويرسم لهم شكل المستقبل المنشود، ويقنعهم بالتحرك من مقاعد المشاهدين إلى منصة الفاعلين. وهذا الشكل الحضاري يجعل الداعمين للنظام يتساءلون عن جدوى ومبرر ممارساته المتجاوزة للسلوك الحضاري.

فإذا كانت سياسات الخصم غير مبررة، وجمعت حركة اللاعنف بين الاستراتيجية الواعية، والصورة الحضارية، وعدد النشطاء الكافي، ثم تمكنت في مواجهة القمع من المحافظة على ضبط النفس وعقدت العزم على المقاومة في مسارها المعد. فإنها عادة ما تحقق إنجازات كبيرة، خاصة عندما يتسع نطاق التمرد.

وعندما يفقد النظام المبرر الأخلاقي لاستخدام القمع أمام حركة حضارية، فإنه حينها قد يتمنى أن تلجأ المقاومة إلى العنف، حيث يمكن التعامل معه وحشد المجتمع الدولي ضدها.

سابعاً: تتنوع لتبدأ من وسائل المطالبة وتنتهي بوسائل الحسم

فترسانة حرب اللاعنف تتعدد وسائلها، لتبدأ من وسائل الاحتجاج والإقناع، والتعبير عن الرأي، وصولاً إلى تحقيق الحسم النهائي عبر الوسائل المناسبة في المجموعات الثلاث التالية.

المجموعات الثلاث

تتعدد وسائل الكفاح اللاعنيف، ويصنفها جيم شارب في ثلاث مجموعات رئيسة:.

1- أساليب الاحتجاج والإقناع باستخدام اللاعنف (مثل التظاهرات والمسيرات السلمية وتوزيع النشرات ووضع ألوان معينة …)

2- أساليب اللاتعاون (وتعني رفض التعاون مثل الإضرابات والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمؤسسات الدولة…..)

3-   أساليب التدخل اللاعنيف (تعطيل الأعمال الاعتيادية واحتلال المكاتب وإنشاء مؤسسات وحكومة موازية ….)

ونضيف على المجموعات الثلاث مجموعة رابعة وهي أساليب الحماية، التي تمكن النشطاء من أن يحموا أنفسهم، ويحموا أنشطتهم.

وسنتناول في الحلقات هذه المجموعات الأربع وما يندرج تحتها من وسائل، بالبحث والدراسة، وكيف يتم التسلح بها عبر تقديم مجموعة من الأسلحة التي استخدمت تاريخياً عبر تجالرب الإنسانية في الكفاح اللاعنيف,.

نظام التسليح في اللاعنف

لقد قال نابليون في حكمته المشهورة: “لا تفعل ما يريد عدوك أن تفعله.. وتجنب مجال المعركة الذي سبق له دراسته واستكشافه… لا تهاجم أبداً من المقدمة إذا كان بإمكانك الفوز بالالتفاف”.

ويقول بازيل ليدل هارت” في الاستراتيجية الطريق الأطول الدائري غالباً ما يكون أقصر الطرق للعودة”

إن المواجهة باللاعنف تعني مواجهة الخصم بأسلحة مختلفة وقواعد من صنع حركة المقاومة، وليس بأسلحته التي يختارها أو قواعده التي يفرضها في المعركة.
العوامل المؤثرة في اختيار الأسلحة

هناك عدة عوامل تؤثر في طبيعة وعدد ونوع الوسائل المستخدمة، بعضها متعلق بالمقاومين، وبعضها متعلق بالخصم، وبعضها متعلق بالقضية التي يقاوم من أجلها، وبعضها يتعلق بالمجتمع وطبيعته.

عوامل تتعلق بالمقاومين

·        أهداف المقاومة. والموقف المحدد الذي ترجوه.

·    عدد النشطاء المشاركين ودرجة الدعم الذي يتلقونه من الشرائح المختلفة في المجتمع.

·        نوعية النشطاء والقادة

·     درجة القمع التي يستعد لتحملها القادة، والنشطاء، ومجموعات الضعط، عموم المجتمع.

عوامل تتعلق بالخصم

·        طبيعة أهداف الخصم

·        المصادر الخاصة للخصم (مثل النظام الإداري وأدوات القمع..)

·        المرحلة التي يمر بها الصراع.

·        درجة القسوة التي يستعد النظام لاستخدامها

·        درجة اعتماد الخصم على الأعضاء المقاومين.

·        درجة الظلم.

عوامل تتعلق بالقضية محل الصراع

·        كون القضية مصيرية أو غير مصيرية.

·        هل هي قضية مجتمع أم تمس شريحة أو طائفة منه.

·        ما موقف الجماهير منها، واستعداده للتحرك من أجلها.

·        ما الحلول المقبولة للتعامل مع المشكلة.

·      ما عقدة الصراع التي إذا تم حلها ستحل بقية العقد، ومن ثم يتم تركيز الجهود عليها.

عوامل تتعلق بالمجتمع

·   تقاليد المجتمع وثقافته و قيمه بحيث لا تتضارب الوسائل مع مكونات المجتمع القيمية، بل على النقيض فإنها تستثمرها.

·   مواسم الاجتماعات الطبيعية مثل يوم الجمعة والعيد والأسواق الأسبوعية .. الخ حيث يتم اختيار الوسائل القادرة على استثمار هذه المناسبات في خلق حوار مع الجماهير.

·  مدى امتداد وعمق ثقافة خبرة اللاعنف لدى الشعب ولدى المشاركون مباشرة في الفعل اللاعنيف وقادتهم.

·  الموقف السياسي والاجتماعي العام.

نحو المستقبل

إن حرب اللاعنف تسعى من خلال أنشطتها إلى إيجاد نمط تفكير جديد في المجتمع، ونمط فعل مليء بالحيوية والمثابرة، يرتكز على مكونات المجتمع الأساسية، فينطلق من القيم الأصيلة المتجذرة فيه..


[1]  Gene Sharp, The Politics of non-violent action. Boston: Porter sargent, 1973. Volume No:2[2] أحمد عبد الحكيم، د. هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت.[3] انظر كتاب “حرب اللاعنف الخيار الثالث” أحد إصدارات أكاديمية التغيير ص 39.

[4]  انظر سلسلة (استراتيجية التعامل مع القمع) منشورة على موقع أكاديمية التغيير.http://taghier.org/arabic/research.html

[5] انظر مفهموم الرمزية من أساسيات حرب اللاعنف في كتاب حرب اللاعنف الطبعة الأولى

[6] انظر أهداف الحملات في كتاب “حلقات العصيان المدني” أحد إصدارات أكاديمية التغيير ص 52

المراجع

Gene Sharp, The Politics of non-violent action. Boston: Porter sargent, 1973. Volume No:2

·  Per Herngren, PATH OF RESISTANCE.. THE PRACTICE OF CIVIL DISOBEDIENCE, Revised edition 2004.

أحمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حرب اللاعنف.. الخيار الثالث، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت، ط1، 2007

حمد عبد الحكيم، د.هشام مرسي، م. وائل عادل، حلقات العصيان المدني، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت، ط1، 2007

التعليقات على سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) – خصائص وأنواع الأسلحة مغلقة Posted in ثقافة حقوقية

سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف)

سلسلة (أسلحة حرب العنف)إعداد:
أحمد عبد الحكيم
د/ هشام مرسي
م/ وائل عادل
تدخل هذه السلسلة من الدراسات في إطار عرض لمجموعة من أسلحة حرب اللاعنف التي تتنوع بين أسلحة الاحتجاج، واللاتعاون والتدخل غير العنيف.الحلقات:
خصائص أسلحة حرب اللاعنف

وسائل الاحتجاج والإقناع (1)

وسائل الاحتجاج والإقناع (2)

وسائل الاحتجاج والإقناع (3)

وسائل الاحتجاج والإقناع (4)

وسائل اللاتعاون الاقتصادي (1)

التعليقات على سلسلة (أسلحة حرب اللاعنف) مغلقة Posted in ثقافة حقوقية

إستراتيجيات التغيير وأنواع القوة.. بدائل العنف



فتحي أبو حطب

لقد اتخذ النضال من أجل الحقوق المشروعة أشكالا متعددة تراوحت بين العنف واللاعنف على طرفي خط مستقيم وبينهما تنويعات، من أجل ممارسة أشكال ضغط متنوعة تؤدي إلى ردع الخصم، أو تعديل مساره، أو تحجيم قوته، أو هزيمته.

ومفهوم النضال غير العنيف نعني به: “أساليب وأدوات اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية لممارسة الضغوط دون اللجوء إلى استخدام القوة المباشرة”، وتتضمن هذه الأساليب ما يقرب من مائتي أداة احتجاج وضغط تمثل ما يمكن تسميته “أسلحة النضال اللاعنيف”.

ويمكن القول بأن الاختلاف بين أشكال النضال هو في حقيقة الأمر اختلاف في تفسير مفهوم القوة حيث يرى أنصار النضال العنيف والمسلح القوة في صورتها الأولية والنمطية والمتمثلة في الإيذاء المادي للخصم، وهو أمر لا يمكن معارضته ونحن نتحدث عن حق أمة في الدفاع عن وطنها المحتل كما هو الحال في العراق وفلسطين.

في المقابل يفسر أنصار النضال اللاعنيف مفهوم القوة بشكل مختلف، فهم يراهنون على القوة الكامنة في المجتمع بأفراده وجماعاته ومؤسساته ويرون قوة هائلة في الضغوط التي يمكن لكل هؤلاء ممارستها على أي خصم لا سيما إذا اتسمت بالتنظيم والتصاعد، مستغلين بذلك إمكانات النضال اللاعنيف الذي اكتسب أهمية كبيرة كخيار وحيد متاح في لحظات فارقة من نضال مجتمعات عديدة في مواجهة أنظمة سياسية دكتاتورية، بعد أن أثبتت التجارب فشل استخدام العنف المباشر لتفاوت ميزان القدرات المادية وغلبة قوة القمع، بالإضافة إلى التكلفة العالية.

ومن ناحية أخرى شكلت نجاحات العديد من شعوب العالم في التخلص من أنظمتها السياسية المستبدة عن طريق النضال غير العنيف دفعة قوية جعلت منه إستراتيجية نضالية بديلة ومشروعة.

ورغم تنوع أساليب المواجهة بين العنف واللاعنف، فإن اللافت للنظر أن جماعات العنف السياسي دوما هي الأعلى صوتا والأكثر لفتا للنظر.

التحرك من النقطة صفر

النقطة صفر هي مساحة الوعي التي صادرتها الأنظمة الاستبدادية في عقول الكثيرين، لذا فالمطلوب من حركات المعارضة أن تبدأ من هذه النقطة.

والسبب الرئيسي وراء عجز وسلبية بعض الشعوب هو هذا الاعتقاد السائد بأن العنف هو الأسلوب الوحيد للمواجهة وهو أمر غير صحيح، فالعنف لم يعد خيارا مطروحا ولا مقبولا في رحلة بحث الشعوب عن لحظة خلاصها من أنظمتها السياسية المستبدة وأصبح العنف واحدا فقط من خيارات كثيرة ربما صارت أكثر فاعلية وتأثيرا من الانقلابات والثورات.

فمساوئ استخدام العنف تتمثل في النقاط التالية:
1 – تتفوق الأنظمة الدكتاتورية في مواجهة خيار العنف، بل وفي توظيفه لصالحها.

2 – تكلفته عالية على المستويين البشري والمادي.

3 – خيار العنف يفقد الدعم والتعاطف الشعبي والدولي على المدى الطويل.

إن تاريخ الأنظمة المختلفة في العالم الثالث حافل بالانقلابات العسكرية، وفي كل مرة يحدث فيها انقلاب يكون مبرر ذلك هو تردي الأوضاع ورغبة من قاموا بالانقلاب في التصحيح، ومن هنا جاء اصطلاح الانقلابات والثورات “التصحيحية” للتخلص من أنظمة ظلت تمارس القمع والاستبداد لفترات طويلة، الأمر الذي استغله من قاموا بتلك الانقلابات لكسب تأييد شعوبهم.

إلا أن الأنظمة الجديدة التي أتت بها الانقلابات لم تمثل في أغلب الحالات التاريخية تصحيحا ولا بداية جديدة كما كان متوقعا، وهنا يكمن الدرس التاريخي الذي يدفعنا إلى التحفظ على خيار الانقلابات، فاحتمالية تحول من يقومون بالانقلابات تحت شعار الحرية إلى أنظمة دكتاتورية تظل احتمالية قائمة، كما أن خيار الانقلابات يفتح الباب لانقلابات مشابهة في المستقبل يقوم بها من يملك مفاتيح القوة ولا يؤسس في الغالب لتقاليد الحريات المدنية والتحول الديمقراطي.

وفي هذا السياق يجب أن نشير إلى أن خيار الانتخابات الذي تلجأ إليه الأنظمة الدكتاتورية لا يؤدي لتحول ديمقراطي، وليس هو بالضرورة ما نعنيه باللاعنف؛ لأن إجراء انتخابات يؤدي إما للتلاعب بنتائجها أو إلغاء نتائجها بالكامل إذا أدت إلى فوز المعارضين مثلما حدث في بورما عام 1990 ونيجيريا عام 1993 وفي الجزائر عام 1991.

أضف إلى ذلك تعمد الأنظمة الدكتاتورية إقامة هذه الانتخابات في ظروف لا توفر المعايير المطلوبة لإجراء انتخابات نزيهة تضمن فرصا متكافئة لكل المتنافسين في وقت يكون النظام الحاكم فيه قادرا على تسخير كل الإمكانيات والمقدرات لخدمة مرشحيه على حساب قوى المعارضة.

وهنا يكون اللاعنف ليس قبول تلك الألعاب القمعية المستترة بل مواجهتها بالمقاومة اللاعنيفة التي تفقدها شرعيتها، مثل خيار رفض ومقاطعة تلك الانتخابات، أو اشتراط معايير لإضفاء الشرعية عليها لا تقبلها النظم القمعية بداهة مثل الرقابة المدنية المستقلة على الانتخابات، والرقابة القضائية المستقلة، والتأكد من دقة كشوف الناخبين عبر لجنة وطنية مستقلة، وغيرها.

وعندما ترفض الأنظمة ذلك فإن المعارضة آنذاك من حقها أن تلجأ لسحب الشرعية بالمقاطعة الإيجابية أي التي تستمر في المراقبة الشعبية وتقويم المخالفات التي تمت ورصدها وتعبئة الجهود السياسية لتكوين تحالفات معارضة أوسع عبر التيارات إلى أن تتمكن من إضعاف النظام وإسقاطه في النهاية.

فخيار اللاعنف يحتاج لتنظيم الجهود وتعبئة القوى وإقامة التحالفات، فهو ليس خيارا بسيطا ساذجا بل غاية في التعقيد والعمق، ويحتاج لمهارة سياسية واجتماعية وتفاوضية وتنظيمية وتعبوية عالية.

وهنا قد يفتح النظام بابا للتفاوض أو ما يسمى “الحوار الوطني” خاصة في ظل الضغوط الدولية، لكن توقيت قبول المعارضة له من أهم القرارات لأن القبول لهذه الحيلة من النظم يحمل عدة مخاطر مباشرة:
1 – تؤدي المفاوضات مع الأنظمة الدكتاتورية في ظل هيمنتها الأمنية والسياسية الكاملة إلى تنازلات في قضايا جوهرية في الغالب، منها رحيل النظام ذاته وتأسيس شرعية جديدة.

2 – قد يمثل محض قبول التفاوض مع نظام باطش وفاقد للشرعية اعترافا ضمنيا من قبل المعارضة بنظام فاسد وقبول “شراكته”، وهي مسألة تحتاج إلى نظر وحسابات دقيقة تطالب النظام بتقديم تنازلات وتغييرات محددة قبل بدء التفاوض.

3 – تمنح المفاوضات الأنظمة الحاكمة الوقت الكافي لالتقاط أنفاسها وترتيب صفوفها وهو ما يمثل فرصة للحفاظ على القوة والثروة.

4 – تعرض المفاوضات رموز المعارضة للانكشاف خاصة حين تكون حركات المعارضة سرية وهو ما يشكل خطرا عليهم ويعرضهم للبطش وربما الموت.

اللاعنف والدعم الخارجي

الفارق كبير بين بذل جهد لكسب تعاطف ومساندة الرأي العام الداخلي والعالمي بناء على أسس أخلاقية وإنسانية كهدف مشروع يضغط على الأنظمة الدكتاتورية وبين اللجوء إلى قوة خارجية بعينها والرهان عليها للتغيير وتقديم الخارج على الداخل لما له من انعكاسات خطيرة، أهمها:
1 – تساعد الدول الأجنبية الأنظمة الدكتاتورية عادة من أجل الحفاظ على مصالحها التي تناقض مصالح الشعوب، ومساندة قوى التغيير يكون في الغالب رهن الحفاظ على نفس المصالح وبالتالي فهو يجهض أجندة التغيير.

2 – الضغوط التي تمارسها الدول الأجنبية على الأنظمة الدكتاتورية تكون من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية لا تتحقق إلا في ظل الاستقرار، وخشية أن يؤدي الركود لتغيير جذري يفقدها السيطرة الإستراتيجية، فهو ليس من أجل الديمقراطية لذاتها التي تكون أول ضحايا حسابات المصالح الدولية عادة.

3 – لا تتحرك الدول الأجنبية لتقديم المساعدات الفعلية إلا إذا نجحت المقاومة الداخلية في هز النظام الدكتاتوري وحولت تركيز العالم إلى طبيعته الهمجية وكسبت التعاطف العالمي، وعلى ذلك فالمهمة من أجل التغيير تقع على عاتق حركات التغيير بالأساس.

4 – قد يؤدي تدخل الدول الأجنبية إلى سيطرتها على الدولة وليس تحريرها من النظم الباطشة، بل قد يؤدي إلى الاحتلال وفوضى أكبر.

5 – تحاول الأنظمة الدكتاتورية في الغالب كإستراتيجية دفاعية الاستفادة من تدخل الدول الأجنبية، وتقمع حركات المعارضة تحت شعار السيادة والاستقلال، وما أسهل أن ترتدي ثوب المدافع عن الوطنية والقومية ضد محاولات الفرض الخارجي على إرادة الأمة، وأن تتحول في لحظة من خطاب الانفتاح الذي يسلم مفاتيح القلعة للخارج عمليا إلى خطاب الدفاع عن القلعة.

أسطورة سيد القرود

في كتابه “من الدكتاتورية إلى الديمقراطية” يذكر “جين شارب” المؤلف وأحد أهم المنظرين لخيار “اللاعنف” أسطورة سيد القرود وهي حكاية صينية من القرن الرابع عشر عن رجل عجوز كان يعيش في ولاية تشو الإقطاعية، ولقد استطاع هذا العجوز أن يبقى على قيد الحياة من خلال استغلاله لمجموعة من القرود حيث كان يأمرهم كل صباح بالذهاب إلى الغابة وجمع الفاكهة على أن يقدم له كل قرد عشر ما جمعه من الفاكهة وكان يعاقب كل قرد لا يلتزم بذلك بالضرب الشديد ودون رحمة، ورغم معاناة القرود الشديدة فإنهم لم يستطيعوا الشكوى أو التمرد على ذلك.

وفي يوم من الأيام سأل قرد صغير باقي القردة هل زرع هذا العجوز كل هذه الأشجار؟ فأجابوه بلا، ثم سألهم ثانية لماذا إذن نعتمد على هذا الرجل ونخشاه ولماذا لا نعتمد على أنفسنا؟ وهنا أدركت القردة ما يعنيه القرد الصغير ونفذوا خطة بسيطة خلصتهم من العجوز المستبد حيث كسروا قضبانهم واستولوا على الفاكهة التي خزنها العجوز ثم هربوا وعندما استيقظ العجوز من نومه ولم يجد القرود ولا الفاكهة كان بالفعل قد فقد مصدر قوته ووجوده فانتهت حياته وانتهت القصة.

لقد اعتمدت خطة القردة على أهم ركيزة يعتمد عليها النضال غير العنيف عند مواجهة الأنظمة الدكتاتورية وهي مصادرة منابع قوة النظام التي تضمن له البقاء والاستمرار وحرمانه منها تدريجيا.

بين أقلية عنيفة وأكثرية صامتة وسلبية وقفت العديد من الشعوب تحمل معاناتها الدائمة من أنظمتها السياسية، ورغم المحاولات القليلة التي تقوم بها بعض حركات المعارضة التي تتبنى خيار التغيير فإن هذه المحاولات تظل عاجزة عن الاستفادة من القوه الكامنة في أساليب النضال اللاعنيف المتعددة والتي اختزلتها حركات المعارضة في بعض المظاهرات والاحتجاجات، في مواجهة أنظمة تمتلك كل مصادر القوة التي تساعدها على البقاء والاستمرار في الحكم.

إن فهمنا لطبيعة ومصادر قوة الأنظمة الاستبدادية يمثل الخطوة الأولى لكي نفهم طبيعة النضال اللاعنيف الذي يعتمد على أساليب وأدوات اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية لممارسة الضغوط دون اللجوء إلى أساليب عنف مباشر.

وتتضمن هذه الأساليب ما يقرب من مائتي أداة احتجاج وضغط تمثل ما يمكن تسميتها أسلحة النضال اللاعنيف. وتبقى هذه الأسلحة بلا قيمة حقيقية إذا لم يكتمل رصدنا لطبيعة ومواطن القوة في المجتمع والتي إذا لم توظفها حركة المعارضة فستكون قوة يرتكز عليها النظام الحاكم ويستمد وجوده منها.

إننا ونحن نتحدث عن الطاقة الكامنة في الشعوب وعما يمكن أن يفعله شعب قرر مواجهة نظامه الحاكم بشكل غير عنيف إنما نتحدث أولا وقبل أي شيء عن انبعاث الوعي وشيوع عدم رضا هذا الشعب عن نظامه ورفضه له بخيار اللاعنف والجهاد المدني غير المسلح.

والحق أن ما نعنيه بكلمة شعب ينقسم لكيانين منفصلين رغم العلاقة العضوية التي تربط بينهما وهما:
1 – الأفراد وجماعات المواطنين.

2 – المؤسسات والمنظمات المستقلة وكيانات وشبكات العائلات الكبيرة والمؤسسات الاقتصادية والنقابات والمجموعات الأدبية وكذلك الأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية والثقافية والأندية الرياضية.

وحركات المعارضة -وهي تطرح وجهة نظرها في التغيير وفي ضرورة مصادرة عناصر قوة النظام الحاكم- عليها أن تضع في اعتبارها أنها تتحرك على طريقين متوازيين.

فهي (حركات المعارضة) من ناحية تخاطب أفرادا تتزايد أهميتهم على المدى الطويل وهم في النهاية هدفها الأول، ومن ناحية أخرى تخاطب مؤسسات وجماعات ومجموعات تمتلك قدرة أسرع وأقوى على التغيير وتمتلك قوة اجتماعية وعددية كبيرة وقادرة على العمل المستقل والخروج من تحت سيطرة النظام الحاكم، حيث إن هذه المؤسسات والجمعيات تتمتع باستقلالية -نظرية وقانونية على الأقل- يمكن تحويلها إلى استقلالية فعلية، مما يمكنها من إجهاض أهم مصدر من مصادر قوة الأنظمة، وهو ما يفسر اهتمام وإصرار الأنظمة الحاكمة في العالم العربي على السيطرة على هذه المؤسسات والمنظمات مثل النقابات والاتحادات الرياضية والطلابية وغيرها.

ويحدد “جين شارب” العوامل التي يتوقف عليها نجاح الأفراد والمؤسسات في السيطرة على مقومات النظام الحاكم وقطع التعاون معه في النقاط التالية:
1 – الرغبة النسبية للمواطنين في تنظيم قوتهم.

2 – عدد المنظمات والمؤسسات المستقلة.

3 – القوة النسبية لهذه المنظمات والمؤسسات ودرجة استقلاليتها في الحركة.

4 – مصادر القوة التي تمتلكها وتسيطر عليها.

5 – حجم القوة الاجتماعية التي تمتلكها ويمكن أن تستخدمها.

6 – القدرة النسبية للمواطنين على حجب رضاهم عن الحاكم وعدم تعاونهم معه.

تشريح النظام

إن أنظمة الحكم تعتمد في وجودها واستمرارها في الحكم على تعاون الشعب ومؤسسات المجتمع، ولنا أن نتخيل ما الذي يعنيه عدم التعاون مع هذه الأنظمة لنتمكن ليس فقط من فهم طبيعة ودور القوة في النضال اللاعنيف ولكن لكي نفهم بشكل دقيق مصادر القوة غير الذاتية التي تمتلكها أنظمة الحكم والتي يمكن حصرها في النقاط التالية:
1 – السلطة: ونقصد بها إيمان الناس بشرعية النظام وأن طاعته واجبة.

2 – الموارد البشرية: وتمثل الأشخاص والجماعات التي تطيع وتتعاون مع النظام الحاكم وللموارد البشرية أهمية عددية ووظيفية بالنسبة للنظام، ويسعى دوما لتجديد النخبة وضم الأنصار.

3 – المهارات والمعرفة: وهي التي يحتاجها النظام لأداء أعمال محددة، ويقوم بها الأشخاص والجماعات المتعاونون مع النظام.

4 – المصادر المعنوية: وهي العوامل النفسية والفكرية التي تحث الناس على طاعة ومساعدة الحكام مثل تسخير رجال الدين والإعلام والمفكرين والمثقفين لذلك.

5 – المصادر المادية: وهي درجة سيطرة أو تحكم النظام الحاكم ورقابته على المصادر المالية والمصادر الطبيعية والنظام الاقتصادي ووسائل الاتصال والمواصلات.

6 – نظام العقوبات: وتشمل مجموعة العقوبات التي يستخدمها أو يهدد باستخدامها النظام في مواجهة معارضيه في حالات العصيان، وتهدف هذه العقوبات إلى ضمان خضوع الشعب وتعاونه مع النظام الحاكم قسرا.

لذا فإن عملية حرمان النظام الحاكم من مصادر قوته السابقة وتجفيف منابع تلك القوة خطوة تهدف إلى إصابته بالشلل وعدم الفاعلية، والرهان الذي يقوم عليه النضال اللاعنيف هو إقناع الشعوب بضرورة عدم التعاون مع النظام والاحتجاج على ممارساته وهو أمر ليس شديد الصعوبة في حال توافر الأسباب والحجج الملموسة والمقنعة للقيام بذلك.

ويرى المنظرون للنضال اللاعنيف أن أقصر طريق لإقناع الناس بضرورة مواجهة النظام يبدأ من وجود مشاكل اقتصادية ملموسة ومرتبطة عادة بقضايا الفساد والممارسات القمعية وعدم الشفافية من قبل النظم الاستبدادية، وكلها أمور يمكن استغلالها بشكل متصاعد ومدروس على أن يتزامن ذلك مع استغلال القوة المتاحة في المجتمع.

نقاط ضعف النظام

تركز أسلحة النضال غير العنيف على نقاط ضعف الأنظمة الدكتاتورية والتي يمكن من خلالها توجيه ضربات موجعه قد تؤدي في حال استمرارها إلى انهيار النظام وفيما يلي عرض لأهم نقاط ضعف أي نظام سياسي:
1 – اعتماد النظام السياسي على التعاون الذي يقدمه الأفراد والمجموعات والمؤسسات كمصدر رئيسي لقوته بمعنى أنها قوة غير ذاتية كما قلنا سابقا ومجرد تخيل نظام سياسي بدون هذا التعاون يعني انهياره فعليا.

2 – المنافسات الشخصية والخلافات التي تحدث بين أفراد هذا النظام والتي يمكن استغلالها وتوظيفها لكسب أفراد للمعارضة أو لإضعاف النخبة.

3 – عدم فاعلية، وأخطاء مؤسسات الحكم وقصورها الناتج عادة عن سوء الإدارة وضعف الفاعلية وتردي الأداء لغياب الدافعية والإخلاص.

4 – قضايا الفساد التي يتم اكتشافها ويكون أفراد النظام متورطين فيها أو ساكتين عليها.

5 – معاناة المواطنين وتدني مستوى معيشتهم.

إن نقاط الضعف السابق ذكرها تمثل المساحات الأساسية التي تتعامل معها حركات المعارضة مع الأخذ في الاعتبار أن الحديث عن استغلال نقاط ضعف النظام هو في الحقيقة تأكيد على مبدأ أصيل في المواجهة غير العنيفة وهو ضرورة فهم الخصم جيدا واكتساب حساسية قراءة خريطة نقاط الضعف المتوقع وتحولاتها.

إن الصراع بهذا المعني يكتسب صفة الإدراك الواعي والمتابعة الذكية لما يجري، والوقوف على أرض الواقع من أجل حشد أكبر عدد من المؤيدين وتحين الفرص المناسبة.

بين النظرية والواقع

تظل الكتابة عن النضال اللاعنيف وعن أساليبه المتعددة تنظيرا لما كان عفويا في لحظة ما، ورغم أهمية ذلك المتمثلة -على أقل تقدير- في توثيق الخبرات الإنسانية المختلفة في تعاملها مع الظلم والاستبداد فإنه تبقى لكل شعب مساحته الخاصة التي تجعل الباب مفتوحا بشكل دائم لأساليب جديدة من ناحية، ومن ناحية أخرى لإعادة استخدام وتدوير الأساليب القديمة بشكل جديد.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن حتى نخرج من الحالة التنظيرية التي نحن بصددها هو: كيف يمكن للشعوب العربية الاستفادة من خبرات وقدرات النضال اللاعنيف وما هي الصعوبات التي تمنع حدوث ذلك؟.

إن ضعف وغياب مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة عن المجتمعات العربية، وكذلك تدخل الدولة في النقابات وكل ما يتعلق بالعمل الجماعي يجعل الاستفادة من خيارات النضال اللاعنيف أمرا في غاية الصعوبة نظرا للدور الذي تلعبه هذه المنظمات والمؤسسات في خلق وتعميق سريع لحالة التحدي السياسي الضرورية لمواجهة أي نظام دكتاتوري.

على الجانب الآخر توجد صعوبة في تحريك الأفراد لأسباب تتعلق بمخاوف وأفكار مغلوطة لديهم، ومع أن الإقرار بوجود هذه الصعوبات لا يعني استحالة القيام بنضال غير عنيف فإن البداية لا تحتاج أكثر من حركة معارضة تعرف ما تريد وتقوم بوضع خطة عمل توضح بها إمكانية وكيفية الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية،

وما نعنيه بالخطة هنا سلسلة الحملات والنشاطات المنظمة والمصممة خصيصا لتقوية الشعب والمجتمع من ناحية، ولإضعاف نظام الحكم من ناحية أخرى، ويجب ألا تقف الخطة عند هذه النقطة بل يجب أن تتجاوز ذلك وتوضح رؤيتها لكيفية إقامة نظام ديمقراطي.

فالخطأ التاريخي الذي تقع فيه حركات المعارضة هو توقفها عند هدف إسقاط النظام الحاكم دون التفكير في كيفية إنشاء نظام ديمقراطي، وهو أمر قد يعرض التجربة للخطر بل ويجعل إمكانية ظهور نظام دكتاتوري جديد أمرا ممكنا.

إن حركات المعارضة -وهي تفكر في طبيعة المرحلة الأولى لنضالها- عليها أن تكون متفهمة لشعور الناس بالخوف والضعف؛ ولذلك يجب أن تكون المهام المطلوبة منهم بسيطة وقليلة المخاطر مثل (ارتداء ملابس معينة، توفير مياه للمتظاهرين، تعليق شارات السيارات، توقيع عرائض احتجاج).

وستلعب تلك المهام البسيطة دورا في تحفيز الناس وفي تعميق إحساسهم بالقدرة على الفعل وهو ما قد يساعد في تشجيع أفراد ومؤسسات وجماعات على الانضمام والمشاركة، بل وقد تساعد البدايات رغم بساطتها على لفت انتباه الرأي العام الدولي للقضية التي ترفعها المعارضة مثلما حدث في المظاهرات الجماهيرية في بورما عام 1988 وكذلك مظاهرات وإضراب الطلاب في بكين عام 1989.

ومن الضروري العمل على إشراك فئات المواطنين المختلفة بحيث تركز كل فئة على مجال اهتمامها، من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من إرهاق النظام السياسي، ومن ناحية أخرى ستشكل كل فئة مشاركة من المواطنين ضغطا على نقابتها أو على المؤسسات التابعة لها لتنضم إلي المعارضة.

على سبيل المثال وليس الحصر يمكن للطلاب أن ينفذوا إضرابا احتجاجا على قضايا تعليمية ويقوم المحامون بتنظيم إضرابات احتجاجا على قضايا قانونية.

وبذلك تكون كل فئة قد عبرت عن مشكلة تعرف تفاصيلها جيدا، وهنا تكون حركات المعارضة قد حققت أكثر من هدف في وقت واحد، أهمها أنه في حالة رفض النقابات الانضمام للمعارضة تكون الاحتجاجات الفئوية مقدمة لتكوين مؤسسات ونقابات بديلة فالمؤسسات والنقابات البديلة تخلق حالة من ازدواجية السلطة وتأتي كأحد أهم أسلحة التدخل الفعال في أساليب النضال اللاعنيف لما تمثله من أهمية في تصعيد التحدي السياسي ومن ناحية أخرى كضمان لعدم حدوث فراغ سياسي إذا نجحت المعارضة ورحل النظام.

وتبقى أساليب النضال اللاعنيف مطروحة للنقاش ليبقى الباب مفتوحا لكل الأفكار الجديدة سواء أكانت تلك الأفكار مرتبطة بابتكار أساليب جديدة أو بتصميم خطة للتنفيذ.

التعليقات على إستراتيجيات التغيير وأنواع القوة.. بدائل العنف مغلقة Posted in ثقافة حقوقية

الكفاح السلمي 50 نقطة حاسمة



حيث أننا قمنا بطرق جميع “الأبواب المفتوحة” واستعصى علينا فتحها، ولم نجد آذانا صاغية لشكوانا في قضية رفع الظلم الذي وقع على الصفوة من علماء الأمة الربانيين والدعاة المخلصين ومن نحسبهم من خيار الشباب المسلم.
لذا أجد أنه وجب علينا الانتقال للمرحلة الثانية وهي العمل السلمي الذي سنسعى فيه لمقاومة هذا الظلم، باذلين فيه جهدنا ما استطعنا لكشف هذه الغمة وتخليص أنفسنا من العبودية التي نئن تحت وطئتها وتسلطها على رقابنا بسلبنا لحرياتنا التي كفلها لنا الأسلام.
هذه المرحلة نحتاج أن نتسلح فيها بالمعرفة والوسائل التي سنسعى جاهدين فيها لتخليص أنفسنا بطرق وخطوات علمية وحضارية.
سأقوم بجمع ما استطعت من الكتب والمقالات والوسائل التي تقوم بتثقيفنا وتوعيتنا لتحقيق أهدافنا.
وينبغي علينا أولا التسلح – وقبل كل شيء – بإخلاص نياتنا لله، والتجرد.

والله من وراء القصد.
وسأقدم هذا الكتاب الأول وهو بعنوان الكفاح السلمي 50 نقطة حاسمة.


هذا الكتاب بداية لتطبيق استراتيجية العمل السلمي في الحملات الحقيقية. التقنيات التي وضحت في الفصول الـ 15 استخدمت بنجاح في أنحاء كثيرة من العالم.

كتب هذا الكتاب لهؤلاء النشطاء العاملين أو الذين يفكرون في بناء مجتمعات عادلة و أكثرحرية وتفتح.

الخمسون نقطة الحاسمة هي عبارة عن استراتيجية كفاح اللاعنف، مهيئة عبر أقسام موضوعية.

– الأول”قبل أن تبدأ”، يقدم لك مجموعة جداول أساسية للمفاهيم و التحاليل.
– الثاني “ الشروع في البداية”، يعلمك المهارات البسيطة التي أتقنها مطبقي استراتيجية اللاعنف، كصياغة الرسالة والتخطيط للعمل الشعبي.
– الثالث” تسيير حملة اللاعنف”، يعلمك مهارات متطورة، كتسيير حملة اللاعنف. 
– الرابع” العمل تحت القمع”، يحاول أن يظهر لك كيف تعمل بأمان.
– القسم الأخير يقترح عليك طرق ملموسة لتطوير مهاراتك ومعلوماتك.

يضم كل قسم فصولا منظمة حول سؤال رئيسي وإجابته : إذا فهمت الجواب لسؤال ما، فإنك تكون قد فهمت نقطة حاسمة لاستراتيجية اللاعنف. يمكنك قراءة سؤال معين يهمك، أو فصل أو قسم بكامله.


فلمساعدتك كل نقطة تشرح أولا، ثم يعطى لها مثال، قضية مدروسة، أو تمرين تطبيقي والذي يمكن أن يساعدك في تطوير مهاراتك ومعرفتك. إضافة لإعطائك نصائح تطبيقية أكثر، خاصة مواد مهمة تظهر في سلسلة من النصائح القصيرة، والتي يمكن لك أن تفهمها وتطبقها بسهولة.


المؤلفون يتمنون وهم على يقين من أن إيصال الخمسين نقطة الحاسمة بهذه الطريقة سوف يساعدك على معرفة تسيير استراتيجية عمل اللاعنف، لذلك يمكن أن تفوز بحقوقك، تتحرر من القمع، تتصدى للاحتلال، تحقق الديمقراطية أو تبني العدل في وطنك – وبذلك، فولادة “عصر تطرف” آخر غير محتمل.

احتوى الكتاب على دروس استوعبت من نضالات سلمية طويلة وصعبة ضد أنظمة دكتاتورية معارضة لأبسط حريات الإنسان.

تطرق الكتاب إلى:
– طبيعة، نماذج ومصادرالسلطة السياسية.
– كيف نعرب عن السلطة.
– كيف نتقييم قدراتنا ونخطيط لأهدافنا في التغيير.
– كيف نبلور رسالتنا.
– كيف نجعل العالم يتعرف إلى رسالتنا.
– كيفية الأداء العمل العام.
– كيفية تسيير حملات اللاعنف.
– كيفية نبني استراتيجيتنا من العمل الى الحملات.
– كيف ندير الحملة السلمية والموارد المادية.
– كيف ندير الحملة السلمية والموارد البشرية.
– كيف نسير حملات اللاعنف.
– التوقيت ،بصفته عامل تويف.
– بناية الميدان الحقيقي للحملة ونموذج التخطيط المسبق.
– العمل تحت القمع: المعنويات والاتصالات.
– العمل تحت القمع الرد على حصار الخصم.
– الخطوات المقبلة.
– كيفية استعمال هذا الكتاب.
– نموذج تعدد مستويات المعرفة و نقلها.
– التعلم و الدعم عبر الأنترنت.
وفيه أيضا مرفقات:
– لطرق عمل اللاعنف.
– و 10 سنوات من صراع اللاعنف في صربيا.


روابط التحميل:


التعليقات على الكفاح السلمي 50 نقطة حاسمة مغلقة Posted in ثقافة حقوقية